"أبو دماغ" الذي نسيت اسمه
مرحباً سيدي الـ.... سيدي الـ.... عذراً نسيت اسمك ... أوه صحيح سيدي القارئ 😜
هل تعرفت على أحدهم وأخبرك باسمه وجرى بينكما حوار أو معاملة ولكنك عندما التقيت به للمرة الثانية نسيت اسمه ؟
إن كان الجواب لا ... فأرجوك تعال لنستكشف دماغك فأنت أول بشر لا ينسى الأسماء ... فنحن السبعة مليارات إنسان الذين نزاحمك على هذه الأرض ننساها أحياناً .
في عام 2021 وفي اجتماع عبر الفيديو التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ، ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون ، وفي نهاية الاجتماع شكر بايدن الرئيس البريطاني بالاسم ، إلا أنه نسي اسم الرئيس الأسترالي فتلعثم وشكره بصفته كرئيس فقط .
ولك أن تتخيل حينها كيف أصبح بايدن حديث الاعلام وسخريتها ، بل أن البعض ربط نسيانه الاسم بعدم احترام الولايات المتحدة لأستراليا واستصغارها لها كدولة هامشية في خريطة العالم .
يا للإحراج !! اجتماع بهذه الأهمية لشخص بهذا القدر وينسى اسمه !!! . (ترى عادي بس أنا مكبر الموضوع عشان أكتب مقال😜)
وبصراحة لست أحسن حالاً من بايدن ... فاليوم في المستشفى التي أعمل بها رأيت أحد زملائي في المدرسة الابتدائية والمتوسطة فتذكرته وتذكرني ، واسترجعت برؤياه الكثير من لحظات الطفولة ... إلا أنني نسيت اسمه رغم تذكري للقبه "أبو دماغ" ، فرأسه الكبير جداً كان من الأشياء التي تنمرت عليها في طفولتي . ( عزيزي مواليد 2000 ترى كنا نسميه غشمره وما كان يضايقنا 😁)
كان "أبو دماغ" زميلي وفي قلبي شيء من العاطفة اتجاهه ، لذا هببت لمساعدته ، لكنه عاتبني على نسياني لاسمه ، فشرحت له أن نسياني لا يعني نكران المودة ، بل كل ما في الأمر أنها طبيعة بشرية ، وها أنا أريد تكرار ذلك الشرح لك سيدي القارئ ... فأرجو أن تهبني شيئاً من وقتك .
إن الأسماء سلسلة عشوائية من الأحرف ، قد تحمل معناً لغوياً محدداً إلا أنها لا تتضمن معلومات عن طبيعة الإنسان وشخصيته وعمله وما أشبه ، فمثلاً الإنسان الذي أسمه "هاشم" لن تراه على الدوام يحمل بيده فخذ لحم ليُهشم لك العظم ويستخلص اللحم فيُقدمه لك بالخبز ليكون هاشماً كريماً ... هو مجرد اسم لا يعكس شيئاً عن شخصيته .
بينما اسم "مستشفى" مثلاً يحمل في جعبته الكثير من الأشياء المتعلقة بها ، فهي مكان للاستشفاء والأطبة والممرضين ، وبمجرد سماعك لهذا الاسم ستتخيل الكثير من الأشياء كغرف العمليات والأدوية ... إلخ .
وأدمغتنا ذات طبيعة مشبكية ، تربط المعلومات بعضها ببعض ، وتعتمد قدرة تذكر المعلومة على كثرة تكرارها ومقدار الروابط بينها وبين المعلومات الأخرى وبالأخص المهمة منها ، وبالتالي فإن آلاف الكلمات المخزنة في أدمغتنا والتي لا نستخدمها بشكل روتيني ولا ترتبط بالكثير من المعلومات الأخرى يكون من الصعب تذكرها .
والأسماء أحد تلك المعلومات التي لا ربط بينها وبين الجوانب الشخصية للإنسان ، وغالباً سننساها إن لم نستخدمها كثيراً ... تماماً كما حصل لي مع "أبو دماغ" الذي لم استخدم اسمه منذ كنت طالباً في المرحلة المتوسطة وأنا الآن في الثلاثينات من عمري . (أصلاً ما كنت استخدم اسمه .. طول عمري أناديه بو دماغ 😜)
لست أعلم ما السبب لكن أدمغتنا لا تنظر بعين الاهتمام للأسماء ... فَـلَـكَ أن تتخيل أن ذات الحروف إن كانت ترمز لشيء آخر غير الاسم سيهتم بها الدماغ ، بينما سينساها لو كانت اسماً .
في دراسة نُشرت في المجلة البريطانية لعلم النفس British Journal of psychology 1987م أُعطي المشاركون في التجربة سيرة ذاتية لشخص ما ، تحتوي على صورته ، وبعض المعلومات المتعلقة به ، ككيفية قضائه ليومه ، وفيما يبدد مدخوله الشهري وما أشبه ، وطُلب منهم تذكر المعلومات لأنهم سوف يُسألون عنها .
ولقد قيل لنصف المشاركين أن هذا الشخص يعمل خبازاً (Baker) ، بينما النصف الآخر قيل لهم أن هذا الشخص اسمه بيكر (Baker) ... أي أن الأحرف متشابهة تماماً لكن في المجموعة الأولى تدل على مهنته ، وفي المجموعة الثانية تدل على اسمه .
عندما سُئل المشاركون في التجربة باليوم التالي عن هذا الشخص ، تذكرت المجموعة الأولى بأجمعها أن هذا الشخص يعمل خبازاً ، فدخله المحدود وساعات عمله الطويلة وغيرها من المعلومات متعلقة بشكل مباشر بمهنته .
بينما المجموعة الأخرى والتي لم تجد ربطاً بين اسم الشخص وكيفية قضائه ليومه ومدخوله الشهري نسي كثير منهم اسمه !! .
يا لعبط الدماغ !! تذكر (Baker) عندما دلت على المهنة ونسيها عندما كانت اسماً .
وجميع الدراسات الأخرى التي بحثت تذكر للأسماء أشارت بأننا نحن البشر نتذكر بقوة غالبية المعلومات المتعلقة بالشخصيات والمظاهر ، بينما نجد صعوبة في تذكر الأسماء لاحقاً .
قد تضعك الحياة في موقف مشابه لموقف جو بايدن أو موقفي مع "أبو دماغ" ، فتحاول جاهداً عصر مخك كي يُخرج لك الاسم الذي نسيته ، وإليك البشرى ..... لن يفلح ذلك . ( أهو دأني لو فلحت 😜)
في دراسة أجراها بروفيسور علم النفس Gordon Finley حول استراتيجيات تذكرنا للأسماء شملت متطوعين من مختلف الأعمار ، تبين أن معظم الاستراتيجيات التي نحاول القيام بها لا تنفع .
فمثلاً عندما تحاول تذكر أين التقيت بهذا الإنسان والحوار الأول الذي جرى بينكما ، فأنت فقط وفقط ستتذكر المعلومات التي تتعلق بشخصيته ، ولن تنجح نهائياً في غير ذلك .
كذلك محاولة استذكار الأسماء التي قد يتخيل لذهنك أنها قريبة من لحن اسمه ... لن تفلح أيضاً ، وسيضعك ذلك في موقف محرج اجتماعياً لا محالة .
إذن ما الحل ؟
كما قلت سابقاً عقلك مشبكي يربط المعلومات بعضها ببعض فيتذكرها ، والحل أن تخضع لقواعد الدماغ ، فمثلاً إن التقيت بشخص جديد في حياتك وقال لك أن اسمه "بدر" ، حاول ربط اسمه بشيء فيه لن يتغير ، كأن يكون وجهه دائري أبيض كفلقة البدر .
أي حاول أن تربط اسمه – المعلومة الطائشة – بمعلومة ثابتة في شخصيته أو شكله ، وهذا ما قد ينقذك من نسيان اسمه .
وبصراحة رغم فاعلية هذا الاقتراح في تذكر الأسماء إلا أنه صعب التطبيق غالباً ، لأنك ستنسى في لقاءاتك الأولى هذه الاستراتيجية ، وستكون منشغلاً بالانطباع الذي تحاول ايصاله للناس عن شخصيتك .
أضف لذلك أن كثير من الناس لا ربط بين اسمهم وبين شخصيتهم أو شكلهم .
لذلك فالحل الأكثر منطقية وعقلانية هو الاعتراف بنسيانك للاسم ... بربك لا تُكابر !!! .... إنها ليست جريمة ... هذه طبيعة أدمغتنا البشرية .
لا تخجل من ذلك ، وإن وُضعت في زاوية الاتهام تحدث بكل ثقة واشرح لهم آلية عمل الدماغ وتشابكه المعرفي ، وقل لهم هذه الدراسات التي وضعتها بين يديك ، فالنسيان ليس عيباً ... إنه صفة بشرية متأصلة .
لقد ذكرني عزيزي "أبو دماغ" باسمه ... لكنني بصراحة عدت لنسيانه ، وأنا متأكد أنه لن ينزعج من ذلك ... لقد شرحت له آلية عمل الدماغ ... وتقبل الأمر بصدر رحب . ( استوعب الكلام ... يا أخي دماغه كبير بسرعه يستوعب😜)