هل تعتقد أن لون جواربك قد يُؤثر على شخصيتك أو تفكيرك ؟
تعال لنكتشف ذلك سوياً ...
في العصور الوسطى كانت مجالس الثقافة ومناقشة التاريخ والأدب حصراً على الطبقة الأرستقراطية المترفة ، وكانت نظرة الرجال للنساء أنهن مجرد كائنات هامشية مكانها المنزل والمطبخ لا أكثر ... ولا يحق لهن الخوض في الثقافة .
في وسط ذلك الظلام وفي القرن الثامن عشر أسست السيدة إليزابيث مونتاغو Elizabeth Montagu تجمعاً نسوياً يضم نخبة من قارئات الأدب والتاريخ والشعر ، و كُنَّ يُناقشن في مجالسهن مواضيع أدبية ويدعين إليها شخصيات مجتمعية وثقافية كالكُتّاب والشعراء ورجال والدين وغيرهم ، وكان ذلك يساهم في تطورهن شخصياً وتغيير نظرة المجتمع للنساء ومدى كفاءتهن .
دعت السيدة إليزابيث الأسقف بنيامين ستيلينجفليت كي يشاركهم إحدى جلساتهن ، لكنه اعتذر منهم لأنه لم يكن يمتلك جوارب سوداء - والتي كانت يرتديها الناس في المناسبات الرسمية - ، كان زاهداً لا يمتلك سوى جوارب زرقاء - والتي يرتديها أثناء مزاولة مهامه في الدَيْرِ أو العبادة - .
فطلبت منه السيدة إليزابيث الحضور ببساطته دون مراعاة العادات الاجتماعية ... فتجمعهم النسوي ثائر على أعراف وعادات المجتمع الرجعية أصلاً .
ولكي لا يشعر السيد بنيامين بالحرج لبسنَّ النسوة في ذلك اليوم جوارب زرقاء ، دلالة منهن على تحديهن لعادات المجتمع من أجل الثقافة والعلم ، ثم إنهن حافظن على لبس ذلك في مجالسهن اللاحقة ، وأصبح يُعرف تجمعهن بـ"تجمع ذوات الجوارب الزرقاء" ، وتحول الجورب الأزرق إلى أيقونة ثورية من أجل العلم .
إلا أن ذلك لم يلبث طويلاً ، فكثير من النسوة - اللاتي يدعين الثقافة زوراً - التحقن بالتجمع ليثبتن للرجال أو محيطهن أنهن كفؤات ويحسن التفكير ... وهن أبعد الناس عن ذلك ، لذا أمسى مسمى "الجوارب الزرقاء" نعتاً يلتصق بكل امرأة تتباهى بثقافتها لكنها حمقاء . (الأم حزتها تقول بنتنا أشطر وحده بتجمع الدلاغات ومهرها عشر آلاف وشبكه 😜)
لبرهة كان الجورب يزرع في نفوس النساء عزيمة على التحدي والقتال ، ثم قادهن - دون وعي - منهن نحو التباهي والخيلاء ... نعم مجرد قطعة صغيرة من القماش لكنها أثرت في مشاعرهن وطريقة تفكيرهن .
وهذا أمر يتكرر معنا جميعاً ...
لا شك سيدي القارئ أنك يوماً ما شعرت بزيادة في ثقتك في نفسك لأنك كنت تلبس ملابس أنيقة ، فتأكدك من كونك أنيق ومبهر يمنحك ذلك الشعور الذهبي ، وكما يقول عالم النفس السيد سيغموند فرويد في كتابه "تفسير الأحلام" : "كم يكون المرء شجاعاً عندما يتأكد من أنه محبوب" .
ولا ينتهي تأثير الملابس الأنيقة على الشعور بالثقة ... بل وكما أكدت الدراسات أنها تؤثر على تفكيرك ونظرتك للعالم من حولك .
في دراسة حديثة للبروفيسور مايكل سليبيان Michael Slepian وجد أن ارتداء الملابس الأنيقة الرسمية يؤثر على تفكير الإنسان ويجعله ينظر للأمور بشمولية وتجرد ، فينظر للمشاكل من الأعلى ويتخذ القرار الأنسب .
في إحدى تجارب السيد سليبيان طلب من المتطوعين للتجربة احضار ملابس رسمية أنيقة وأخرى عادية إلى المختبر ، ثم قسمهم إلى مجموعتين وطلب من مجموعة أن ترتدي ملابسها الأنيقة والأخرى ملابسها العادية ، ثم أنه قدم لهم مجموعة من المشاكل الحياتية ليقوموا بحلها .
الطلاب الذين لبسوا الملابس الأنيقة حلوا المشاكل بتجرد وشمولية ونظروا لها من جميع زواياها ، بينما ذوي الملابس العادية نظروا لها بنظرة أضيق وأكثر تدقيقاً ، لذا كانت أداء الأنيقين أفضل .
بعد ذلك طلب السيد سليبيان من المجموعتين تبديل الأدوار ، ليرتدي ذوي الملابس العادية بدلاتهم الأنيقة ، والعكس صحيح ، وكانت النتيجة أن الذين لبسوا الآن ملابس أنيقة نظروا للأمر بشمولية ، أما الآخرين فنظروا للأمر بضيق أفق رغم إنهم قبل قليل أجابوا بتجرد ... وكأنهم خلعوا جزءاً من عقلهم وليس ملابسهم !! .
أضف لذلك أن بعض الملابس قد تحمل في طياتها معناً أو شعاراً ، ودراسات السيد سليبيان أكدت أن ذلك ينعكس على مشاعر الإنسان دماغه .
ففي إحدى دراساته أحضر للمختبر ثلاثة مجاميع من الطلبة ، وأعطاهم مهاماً تتطلب الكثير من التركيز ، كخلط مواد كيميائية مع بعضها البعض وأعطاهم جميعهم "مريول" أبيض .
المجموعة الأولى أخبرها أن هذا المريول الأبيض هو وزي علماء الكيمياء أثناء قيامهم بهذه المهام .
المجموعة الثانية أخبرها أن معهم عالم كيمياء في المختبر ، وكان يلبس المريول الأبيض ... أي أنها إشارة غير مباشرة بأن هذا هو لباس العلماء .
المجموعة الثالثة أخبرها أن هذا المريول هو الذي يستخدمه عامل الطلاء أثناء صبغه للمنازل .
راقب القائمون على التجربة مستوى تركيز الطلاب ، فكانت المجموعة الأولى الأكثر تركيزاً ودقة أثناء قيامهم بالتجربة ، تليها المجموعة الثانية ، والمجموعة الثالثة بالمركز الأخير .
المجموعة الأولى ارتدت لباس العلماء فتحفزت أدمغتها للأفضل ، بينما المجموعة الثالثة تأثرت سلباً ... وأي تركيز ترتجيه منهم وهم يرتدون زي عامل طلاء ؟!!!
هذه التجربة تُخبرك بمدى تأثير معنى الملابس على الإنسان ، فمشجع كرة القدم مثلاً لن يشجع بذات الحماسة إن لم يكن يرتدي قميص فريقة ... سيشعر بالكثير من الانتماء عند ارتدائه ذلك .
من ناحية أخرى أظهرت العديد من الدراسات أن مزاجنا وما نشعر به من بهجة أو اكتئاب يتأثر اعتماداً على ما نرتديه ، وبالمثل ... فإن ما نشعر به وما يسيطر على مزاجنا يؤثر على اختيارنا لما سنلبسه .
في دراسة إحصائية للبروفيسورة العجوز الأنيقة كارين باين Karen Pine المختصة بأبحاث علم النفس والأزياء رأت أن 57% من النساء يرتدين ملابس فضفاضة عند الشعور بالاكتئاب ، وفقط 2% يرتدينها عند السعادة .
ويرتدي 62% بالمئة من النساء زيهن المفضل عند السعادة ، مقابل 6% عند شعورهن بالحزن .
وفي محاضرة حضرتها للسيدة باين قالت فيها : " إننا وقت السعادة نميل للملابس الأنيقة جداً والمفصلة بشكل جيد ذات ألوان مشرقة " .
وفي دراسة أجراها الدكتور أليستر تومبس Alastair Tombs على ألف رجل وامرأة ، تبين أنه إذا تم الثناء على جمال أو أناقة ملابس شخص ما ، فغالباً ما تعود إليه المشاعر الإيجابية التي شعر بها عندما يرتديها مرة أخرى.
وعلى النقيض تماماً قالت غالبية النساء إنهن لا يمكنهن ارتداء نفس الملابس مرة أخرى إذا حدث شيء سلبي لهن أثناء ارتدائها كالانفصال أو فقدان الوظيفة أو حادث سيارة .
وهذا يشرح لك لماذا الكثير من النساء رغم أن خزانة ملابسهن تفيض قماشاً يقلن : "والله ما عندي شي ألبسه" .. لأنهن غالباً ما يربطن – دون وعي منهن – بين ملابسهن والأحداث التي حصلت لهن عند ارتدائهن لها . (عدلي مشاعرج ومشاكل وراح يتعدل كبتج 😜)
لذا أرجو منك سيدتي القارئة أن لا تنجرفي نحو هذا الارتباط المخادع ... ذلك سيوفر عليك بعض المال ولن يجعلك في حيرة من أمرك عند اختيارك لملابسك في المرة القادمة .
ويا سادتي القُراء ... لأناقتكم يد في جمال تفكيركم ومشاعركم ، وهذا يدعوكم أن لا تهملوا هذا الجانب ... حافظوا على أناقتكم . ( عشان جذي بو مكسر وفانيله متخلف 😜)