Blog Layout

محكمة ألفريد درايفوس ولقاحات كورونا

في فرنسا عام 1894 عثر عميل سري من الاستخبارات الفرنسية يزاول مهنة عامل نظافة في السفارة الألمانية على هذه الرسالة ممزقة ومرمية في سلة مهملات السفير .
فأخذ الرسالة وجمع شتاتها ليقرأ محتواها ، فاكتشف أن المكتوب فيها وصف دقيق للمدافع الفرنسية ، وأسرار عسكرية أخرى ، يبيعها أحد الجنود الفرنسيين على الألمان .
فأحدث ذلك ضجة في الجيش الفرنسي ، وأقيم تحقيق كبير بحثاً عن الجاسوس الخائن .
شعب فرنسا آنذاك - وغالبية الشعوب الأوربية - كانت تشتهر بكرهها لليهود ، وكان الفرنسيون اليهود يتعرضون للتنمر والعنصرية ، وعادة ما يُشار إليهم بأنهم سبب الفساد وخراب الديار .
لذا سرعان ما توجهت شكوك المحققين إلى الضابط اليهودي ألفريد درايفوس Alfred Dreyfus ، لأنه كان الضابط اليهودي الوحيد في كتائب المدفعية .
بحث المحققون في تاريخ ألفريد الشخصي عن أدلة تؤكد شكوكهم ...... ووجدوا ما أرادوه .
فألفريد ولد وترعرع في مدينة Alsace شرق فرنسا ، والتي احلتها الألمان لفترة طويلة من الزمن ، وغالباً ما يعتبر أهلها أنفسهم ألمانيين أكثر من كونهم فرنسيين ، ولعل انتماؤه الألماني سَـوَّلَ له بيع الأسرار إليهم . ( باع القضية 😜 )
وأساتذته في المدرسة قالوا عنه أنه كان قوي الذاكرة ومولع بتعلم اللغات الأجنبية - كاللغة الألمانية - ، وهذا ما زاد الشكوك حوله ، فإتقانه للّغات وذاكرته القوية مقومات تُسهل عليه عمله الجاسوسي .
والطامة الكبرى أن هناك تشابه - إلى حد ما - بين خط ألفريد وبين خط الرسالة ، وهذا وما رَسَّـخ فكرة جاسوسيته .
وقد فَـتَّــشَ المحققون منزل ألفريد ، إلا أنهم لم يجدوا فيه أي دليل يُجرمه ، فتوجسوا منه خيفة ، فهذا يشير إلى احترافه الجاسوسية ، إذ أخفى كل الأدلة التي قد تدينه .... يا لدهائه !! .
القضاة العسكريون والضباط كانوا مقتنعون تماماً بإدانة ألفريد ، لذا حُكم عليه بالسجن المؤبد في زنزانة جزيرة نائية قبالة سواحل أمريكا الجنوبية .
هؤلاء هم اليهود ... غدارين لا يؤتمن عليهم أ ليس كذلك ؟
لو كنت محل القضاة العسكريين ... هل ستكتفي بالسجن المؤبد أم تحكم عليه بالإعدام لخيانة وطنه ؟
بعد سجن ألفريد بسنوات اكتشف رئيس المخابرات الفرنسية العقيد "جورج بيكوارت" رسالة أخرى تُسرب أسرار الجيش إلى السفارة الألمانية ، بنفس خط الرسالة التي سُجن ألفريد بناءً عليها !!! .
"بيكوارت" كان كارهاً لليهود ، ومقتنع تماماً بإدانة ألفريد ، لكنه سأل نفسه لوهلة ... مهلاً !! ماذا لو كان ألفريد بريء والخائن الحقيقي ما زال طليقاً ؟
بحث "بيكوارت" في الموضوع ، وعثر على رسالة لضابط يُدعى "إسترهازي" خطه مطابق تماماً لخط الرسالة ، وهو مقامر سكير في الحانات يُعاني من مشاكل مالية ، لذا من المرجح أن يكون هو الجاسوس الذي يبيع الأسرار من أجل المال ... وليس ألفريد .
أخبر "بيكوارت" قادة الجيش عن ذلك ، لكنهم اعتقدوا أن "إسترهازي" جاسوس آخر بالإضافة إلى ألفريد ، وخطهما مشابه لبعض ، بل لعل من جندهما للتجسس هو من طلب منهما هذا الخط وعلمهم إياه .
فُحكم على "إسترهازي" بالمؤبد أيضاً إلا أنه فر من فرنسا إلى بريطانيا ، ولم يتم القبض عليه .
"بيكوارت" اقتنع بهذا الاستنتاج لوهلة من الزمن ، فاليهود يبقون يهوداً لا أمان لهم .... إلا أن فرضية براءة ألفريد عادت إلى دماغه ، وطالب القضاة بإعادة محاكمة ألفريد ، فعاقبوه بإبعاده إلى كتيبة من الجيش في صحراء "تونس" لتعاطفه مع هذا اليهودي الخائن .
سَرَّب "بيكوارت" امتعاضه للصحافة ، فاستغل شقيق ألفريد ذلك ، والتقى بنخبة من المثقفين الفرنسيين طالباً منهم أن يحثوا القضاة على إعادة التمعن في القضية ، فتعاطفوا معه وتظاهروا لذلك .
وبعد عشر سنوات من سجن ألفريد أعادوا محاكمته أخيراً ، وبعد جلسات ومرافعات طويلة حكموا عليه بالسجن المؤبد أيضاً . ( أنت عبالك بقولك براءة مثلاً ؟! لا كابتن اليهودي يبقى يهودي وصخ بنظر الفرنسيين 😊)
إلا أن حاكم فرنسا عفى عنه ، وأعاده للسلك العسكري لاحقاً ، ليشارك في الحرب العالمية الأولى ويحصل على وسام الشرف نظراً لبسالته ، إلا أنه بقي منبوذاً من جميع العسكريين حتى مماته .
في الحقيقة إن ما قام به القضاة كارثة ونموذج لما يسميه علماء النفس الانحياز التأكيدي أو التحيز اللاإرادي ...
لم يلتفت القضاة إلى تفانيه في الخدمة العسكرية وتضحياته في المعارك التي تؤكد ولاءه ، واتهموه عوضاً عن ذلك لأنهم كانوا يعتقدون - مسبقاً - بأن اليهود خونة فاسدون ، وذلك جعلهم - دون وعي منهم - يفسرون الأدلة بالطريقة التي تُدين ألفريد وتُـثـبِّـتُ معتقدهم باليهود .
فحتى خطه لم يكن مطابقاً لخط الرسالة 100% ، بل مجرد تشابه إلى حد ما !!! لكنهم اعتمدوا على ذلك كدليل .
ولعلك سيدي القارئ تحب فلسطين وتبغض الصهاينة المحتلين وتؤمن بفسادهم ، فأَثَّــر ذلك على رغبتك أيضاً وملت إلى صحة الحكم رغم وهن الأدلة . (ولا أنت بايع القضية 😜)
الانحياز التأكيدي - كما يُعرِّفه علماء النفس - هو الميل للبحث وتفسير المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد ، بينما لا يولي انتباهاً مماثلاً للمعلومات المناقضة لها .
لأن مخاوفنا ودوافعنا ورغباتنا - الإرادية واللاإرادية - تُشَـكِّـلُ الطريقة التي نحلل بها المعلومات دون وعي كامل منا بذلك ، فنحاول الدفاع عن المعلومات التي توافق آراءنا وافتراضاتنا ونرجو نجاحها ، ونتغافل عن المعلومات التي تخالف ذلك ونتمنى إثبات بطلانها . 
وحتى ذاكرتنا تخضع لهذا النهج ، فعندما تفترض أمراً أو تبني رأياً يستدعي دماغك الذكريات التي تدعمه ، ويتناسى بقية الذكريات التي تخالفه ... وإليك هذه الدراسة .
قام بروفيسور علم النفس السيد مارك سنايدر Mark Snyder بدعوة عدد من الأشخاص إلى مختبره ، وعرض عليهم سرداً شاملاً لأحداث وقعت في أسبوعٍ واحد من حياة امرأة تُدعى Jane ، تحتوي على أنشطة انطوائية وأخرى منفتحة على المجتمع .
وبعد يومين دعاهم مرة أخرى إلى مختبره ، وطلب منهم اختيار وظيفة مناسبة لها وفقاً لما رأوه من حياتها ، وخَـيَّـرهم بين وظيفة أمينة مكتبة - أي مهنة انطوائية نوعاً ما - وبين وظيفة بائعة عقارات - أي عمل يتطلب الاحتكاك بالمجتمع بكثرة - .
المجموعة التي اختارت "أمينة مكتبة" كانت تستدل بالأنشطة الانطوائية التي قامت بها متغافلة عن الأعمال الأخرى دون إدراك منها بذلك ، كذلك المجموعة التي اختارت مندوبة مبيعات العقارات والتي نسيت أعمالها الانطوائية وتذكرت المنفتحة فقط .
في كِلا المجموعتين كانت الذاكرة تسعف الدماغ بالذكريات التي تثبت صحة كلامه دون الالتفات إلى ما يناقضها .
لم يكن بين المشاركين من يقول أن المرأة تصلح لكِلا الوظيفتين أو يُطالب بالمزيد من التفاصيل ليتأخذ رأياً حاسماً ، فأدمغتنا عادة ما تنحاز إلى رأي ثم تحاول إثباته من خلال الأدلة المتاحة أمامها .
في القضايا الشائكة والمختلف فيها بين الناس ، لا يدرك الغالبية العظمى منهم أن تفكيرهم يخضع لشيء يُسمى بـ"الانحياز التأكيدي Confirmation bias" ، فينظرون للأدلة التي تؤكد رأيهم فقط ، ويصرفون النظر عما سواها من الأدلة أو يحاولون التقليل من شأنها والتشكيك في صحتها ، ويُلبسوا عاطفتهم عباءة العقل ليظهروا بزَيِّ الحكماء .
لو شئت البحث عن أدلة تؤكد عدم وصول الإنسان إلى القمر ستجدها ... أو أردت أدلة تثبت أنه تَـسَـكَّــع هناك ستجدها أيضاً ، وأدمغتنا ستصدق وتفسر الأدلة وفقاً لرغباتها وآرائها المتخذة مسبقاً ... تماماً كما هو حال ألفريد ، فكما أن هناك إشارات لإدانته هناك أخرى تثبت براءته .
اليوم تمر البشرية بأزمة فايروس كورونا ، الذي اجتاح العالم وأصبح حديث الساحة ، فلا يخلو يومنا من الحديث عنه وتبادل الآراء فيه ، ولا شك أن أدمغتنا ستقوم بما تقوم به دائماً وستنحاز لرأي دون آخر .
ولعل من أبرز المواضيع المختلف فيها بين الناس هي لقاحات التطعيم من الفايروس ، ولا أشك أيضاً أنك لو أردت أدلة وقصص تثبت نجاح لقاحات كورونا ستجدها ، أو بحثت عن الأدلة والحكايات التي تشير إلى ضرر اللقاحات أو وأنها أكذوبة قام بها "بيل غيتس" أيضاً ستجدها .
وما نقوم به من تحيز وما نميل له من معلومات لا علاقة له بذكائنا فحتى آينشتاين رفض نظرية ميكانيكا الكم لأن قلبه مال إلى رفضها دون أن يدقق في أدلتها أصلاً ، وليس له علاقة بسوء نوايانا ، فأحياناً ننظر بعين الرحمة والشفقة لمن يخالفنا الرأي ونعتبرهم مساكين عُموا عن الصواب ، بينما في الحقيقة نحن المغبين الذين لا ندرك الانحياز التأكيدي الذي تمارسه أدمغتنا .
إذن ... ما الحل الذي يجعلنا نتلافى الوقوع في هذا الانحياز التأكيدي ؟
أقام العالم كارليس لورد Charles Lordتجربة لطيفة ، إذ أحضر مجموعة مؤيدة بشدة لحكم الإعدام ، وأخرى مناهضة رافضة له بقوة ، ثم عرض على كل مجموعة الأدلة التي تخالف آراءهم ، فلم يغير ذلك من معتقدهم ، وشككوا في الأدلة ، بل وزادتهم إصراراً وتمسكاً في رأيهم .
ثم أتى بمجاميع أخرى ، وعرض عليهم أيضاً الأدلة التي تخالف معتقداتهم ، بَـيـدَ أنَّـه شرح لهم الانحياز التأكيدي وطلب منهم أن يكونوا منصفين دون تحيز .... لكن ذلك لم يجدي نفعاً ، فقد تمسكوا بآرائهم أيضاً ، وشككوا في الأدلة وضربوا بها عرض الحائط . (كأني أشوف كارليس يقول أهو وجهي لو فلحت البشرية في التخلص من التحيز 😜)
كارليس لم يستسلم ... لقد ابتكر استراتيجية جديدة ، وأتى بمجوعة أخرى متعصبة لرأيها أيضاً ، وطلب منهم هذه المرة أن يسألوا أنفسهم ويفكروا عميقاً قبل كل خطوة ورفض أو قبول لأي دليل إذا ما كانوا سيصلو إلى نفس التقييمات الداعمة أو الرافضة لو أظهر الدليل نتيجة مختلفة عن تقييمهم أو ما يؤمنوا به مسبقاً .
فعلى سبيل المثال إذا قُدم للمشاركين في التجربة دراسة تشير إلى أن عقوبة الإعدام خفضت من معدلات الجريمة ، كان يُطلب منهم تحليل منهجية الدراسة ، وتخيل أن النتائج أشارت إلى عكس ذلك الاستنتاج .
وقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحاً ، وغيرت آراء العديد من المشاركين في التجربة ، وأزاحت عن خيالهم النقطة العمياء التي تحجب عنهم رؤية العالم على غير ما يفترضون .
لنعد إلى اللقاحات ...
لنفرض أنك سيدي القارئ ترفض لقاحات كورونا ، ولديك الأدلة والقصص التي تؤكد ذلك .
هل تعرف الآلية التي تعمل بها لقاحات رنا المرسال MRNA بأدق أدق تفاصيلها ؟ سأخبرك لمحة عنها فقط .
لديك في خلايا جسدك حمض نووي DNA ، يحتوي على جميع المعلومات والتعليمات المهمة التي تنظم عمل خلايا جسدك ، فتصنعك أنت .
وفي خلاياك أيضاً آلات تقرأ الحمض النووي DNA وتحوله إلى رنا المرسال MRNA ، والذي سوف يدخل في برمجة أحماضك الأمينية التي تصنع البروتين في جسدك وتجعلك على قيد الحياة ، وهذه ما يُسمى بـ" الترجمة Translation".
والترجمة هي الثغرة التي تستغلها فيروسات كورونا لتهاجم جسدك ، إذ تقوم بإدخال معلوماتها الجينية إلى خلاياك لتقوم الآلات - بغير قصد منها - بأخذ هذه المعلومات وبناء البروتينات التي ستاهم بانتشار الفايروسات في جسدك .
فيبدأ جهازك المناعي محاولة التغلب عليها ، فإذا نجح في ذلك تعافيت منه ، وإذا فشل وسيطر على رأتك .... انتقلت إلى لطف الله .
لقاحات كورونا الحديثة تُدخل إلى آلات خلاياك ترميز ومعلومات MRNA عن بروتين الفايروس ، فيقوم جهازك المناعي بفهم المعلومات التي ستجعله قادراً على التصدي له مستقبلاً في حال اصابتك به - بنسبة تقدر في لقاح فايزر مثلاً إلى 94% - .
إن كنت سيدي القارئ معترضاً على اللقاحات ... هل تفهم أولاً تقنيتها بدقة أم أنك متحيز ضد ما لا تفهم ؟ هل قرأت الدراسات العلمية التي تتحدث عن هذه التقنية التي لا شأن لها بالحمض النووي DNA بل تعمل وفقاً للرنا المرسال MRNA ؟
عد الآن إلى أدلتك والقصص المعارضة ... وتفحصها واحدة تلو الأخرى ، وتخيل أنك قاض في محكمة والمتهم هو اللقاح ، اسأل نفسك بصدق وتفكر بعمق عند تفحص كل دليل ماذا لو كانت النتائج عكس ما ذهب إليه رأيك ؟ ماذا لو كنت قد اتخذت القرار الخطأ ؟ ماذا لو كان المتهم بريء - كما هو حال ألفريد - والأدلة ضعيفة واهنة .. بينما أنت تميل إلى إدانته ؟
حاول أن تمحو من خيالك تلك النقطة العمياء التي تحجب عنك رؤية العالم على عكس ما تفترض ... حاول أن تفكر بطريقة خارج صندوق الانحياز التأكيدي المحيط بأدمغتنا .
كن منصفاً يا سيدي القاضي ....
ألفريد رجل بريء .... اللقاح كذلك ... رُفعت الجلسة 🔨 😜 .

بواسطة 288e1451-5677-4d83-8385-71f24185e9e0 ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤
كم مره خنت فيها شعورك وأبديت إعجابك بأشياء لا تستحسنها؟ في عام 1897م اندلعت حرب بين الدولة العثمانية واليونان وكانت محط اهتمام الطبقة السياسية والنخب العليا، أما عوام الناس فكان "كُـلّا يدعي في الهوى وصل ليلى" والكل يريد الحديث عن هذه الحرب الطاحنة والتظاهر بالاهتمام كي يوحي للآخرين امتيازه الثقافي. إبان الحرب زارت بعض النسوة من الطبقة المخملية بيت الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف، والذي كان برفقة زميله الكاتب مكسيم غوركي، وسألنه عن رأيه حول هذه الحرب، فجلس يتأملهن... يرى وجوهاً بلهاء لا تعي المآسي التي تُخلفها الحروب، يتظاهرن بالاهتمام، فأجابهم بكل هدوء أن السلام هي النتيجة المرجحة لهذا الصراع. لم تكن تلك الإجابة التي يردن سماعها، فضغطن عليه كي يخبرهم أي الطرفين مرشح للفوز، فأجابهم بكل بساطة والابتسامة تملأ وجهه: "أعتقد أن الأقوى هو من سيفوز"، فزاد ضغطهن عليه ليُخبرهم من هو الطرف الأقوى، فقال "لا أشك أن الطرف الذي يحصل على تغذية أفضل وتعليم أفضل هو الأقوى". فسألنه بإلحاح "أي من طرفي الحرب تفضله شخصياً عن الآخر؟"، فقال بوجه مشرق: "سيداتي أنا أُفضل مربى البرتقال... هي تفضيلي الشخصي، هل تفضلونها أنتن" اندفعن بكل حماس للحوار عن المربى ونكهاتهن المفضلة، موضحات معرفتهن الواسعة بطرق تحضيرها، فكشفن اهتمامهن الحقيقي بالطعام بدلاً من التظاهر السابق بالانخراط في الخطاب السياسي، أما هو فكان يشاركهن الحوار بكل أريحية وسعادة. وما إن انتهين من جلستهن واستعدوا للمغادرة وَعَـدنَ تشيخوف بإرسال هبات سخية من مربى البرتقال، وشكرنه على حسن حواره ولطافة خطابه، فقد سُعدن حقاً بذلك، وبعد أن غادرن أثنى زميله غوركي على حواره معهن، فضحك تشيخوف وقال: "ما كان عليهن التظاهر... من الأفضل لكل إنسان أن يتحدث لغته الخاصة". فهل تتفق مع تشيخوف... أن على كل إنسان ترك التظاهر وأن يكون مخلصاً لما في داخله؟ لا شك أنك في وقت ما حاولت كبت مشاعرك وعدم إظهارها للآخرين، أو لعلك -وأرجو أن أكون مخطئاً- أبديت مشاعر زائفة لا تترجم ما في قلبك، ولو عدت في ذاكرتك واسترجعت سبب قيامك بذلك، فمن المرجح أن يكون السبب هو احترام مشاعر الآخرين، أو الحصول على مشاعر إيجابية منهم كالثقة أو المودة أو التعاطف. وأود بكل سعادة أن أزف لك البشرى... محاولتك لم تجدي نفعاً، لا تحاول تكرارها أرجوك، فمهما حاولت التمثيل والتظاهر بغير ما تشعر به فمن المرجح أنك ستحصل على نتيجة عكسية. أولاً إن تظاهرت سيُكشف أمرك.... إن أدمغتنا نحن البشر تمتلك قدرة جيدة على التفريق بين المشاعر الزائفة والحقيقية، فحتى الأطفال الرضع قادرين على ذلك بشكل رائع، ففي دراسة نفسية نُشرت عام 2015 في مجلة The Official Journal of the International Society on Infant Studies أظهر باحثو علم النفس من جامعة كونكورديا أن الرضع في وقت مبكر من العمر -18 شهراً- يمكنهم اكتشاف ما إذا كانت مشاعر الشخص حقيقية ومبررة أم لا. فكان الأطفال عندما يرون أحد أقاربهم تنكسر إحدى أدواته ثم يتظاهر بالحزن كانوا لا يبدون أي تعاطف معه، بينما القريب الذي يتعرض لذات الموقف وتبدو عليه مشاعر حزن حقيقية كان الأطفال يتعاطفون معه ويحاولون ببراءتهم التخفيف عنه. هل تـتذكر آخر موقف حاول أحدهم التظاهر أمامك بمشاعر زائفة، وكنت تعلم في قرارة نفسك أن مشاعره غير صادقة، هل تتذكر كيف كان الأمر واضحاً لك بينما يظن هو أن تمثيله جيد؟ حسناً الأمر ينطبق عليك كذلك، لست ممثلاً بارعاً.
بواسطة 288e1451-5677-4d83-8385-71f24185e9e0 ١٢ يوليو ٢٠٢٤
ماذا لو اختفيت اليوم من الحياة... هل سيتأثر المحيطون بك؟ هل سينقص الحياة شيء؟ بعد يومٍ مرهق من العمل كانت جالساً في غرفتي شارد الذهن، فسمعت صوت أمي تسأل من في المنزل عني "هل ما زال هاشم موجود أم خرج؟"، فتسللت إلى ذهني حينها مقولة الفيلسوف رينيه ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، لذا أردت الخروج من غرفتي لأخبر أمي ممازحاً أنني كنت هنا أفكر فإذاً أنا موجود. لكن أمي شتت أفكاري ودمرت ما تبقى سليماً من عصبونات دماغي ولم تذر لي أي باقية من صلابتي النفسية، إذ سمعتها تقول لمن سألتهم "هاشم موجود فهذا نعاله عند باب الغرفة.... هاشم تعال وارمي أكياس الزبالة". آه يا سيدي القارئ... لا أخفيك السر... لقد كانت صعقة نفسية، إذ كان دليل وجودي نعال.... وحاجتها مني أكياس القمامة لا أكثر. لست مفكراً... ولكن السؤال الذي سهر معي تلك الليلة هو " إلى أي مدى أنا مهم ومطلوب ومُلاحظ ومؤثر في هذه الحياة؟!" وأظنه سؤال يراود الكثير من الناس أحياناً، وليس سؤالاً فلسفياً أو ترفاً فكرياً، بل إن لجوابه أثر نفسي ينعكس علينا وعلى صحتنا ومشاعرنا... وهذا ما أود الحديث عنه في كلماتي اليسيرة هذه. نحن كبشر لن نقول لمن سألنا "كيف حالك؟" - أشعر اليوم بالأهمية شكراً لك.، ولكن هذا الشعور قد يجعلك تشعر بخير فعلاً. الاحساس بهذا الشعور لا يتطلب نيل جائزة نوبل للسلام، بل يكفي أن تكون مؤثراً بحياة الناس من حولك أو بمحيطك الذي تعيش فيه، وكلما كنت مطلوباً وملاحظاً ومؤثراً أكثر كلما زاد اعتقادك بأهمية وجودك. وعندما تكون بمنظورك ذا أثر وأهمية سترى ذاتك بنوع من التقدير والاحترام، مما ينعكس على شعورك بالإيجاب، وهذه النظرة للذات لا تـتعلق بالغرور وتفضيل النفس على الآخرين، بل تعني استثمار نقاط قوتك وأحاسيسك لأجل الحياة ومن فيها. إن حب ترك بصمة على الحياة فطرة نولد عليها وتخالج أنفسنا إلى حين الممات، وهذا ما أكده أستاذ الفلسفة وعلم النفس كارل جروس Karl Gross عندما كتب نظرية قَـيّـمة حول لعب الأطفال، قال فيها: إن الأطفال الصغار يشعرون بسعادة كبيرة عندما يعتقدون أنهم مؤثرين في العالم من حولهم، فالطفل مثلاً عندما يمسك دمية ويضغطها لتخرج صوتاً يضحك كثيراً، ليس لأن الصوت مضحك بل لأنه شعر بتأثيره في الواقع، ويكرر العملية ليعيد نشوة متعة الإنجاز وأهمية وجوده، والطفل الذي يُحرم من اللعب أو يلعب مراراً ويفشل بالتأثير على الواقع يشعر بانزعاج الكبير، بل لربما يتقوقع على نفسه ويتشوه نفسياً فيكون ضعيف الشخصية مستقبلاً غير مهيأ للإنجاز. وهناك بحث أجراه الدكتور إلين لانجر من جامعة هارفارد على مجموعتين من كبار السن نزلاء دار رعاية المسنين، أعطوهم جميعاً بعض النباتات التي ستزين غرف جلوسهم ونومهم وممرات الدار، وأخبر الدكتور إلين المجموعة الأولى أنهم المسؤولون عن إبقاء النباتات على قيد الحياة والعناية بها ورعايتها لتضفي المزيد من الجمال والمنظر الصحي للدار، بينما أخبر المجموعة الثانية أن النباتات لهم ولكن موظفو الدار هم من سيعتنون بها. بعد 18 شهر من الاهتمام بالنباتات والتأثير بالمنظر الصحي لدار الرعاية كان ضعف عدد نزلاء المجموعة الأولى على قيد الحياة مقارنة بالمجموعة الثانية. أي أن الشعور بالتأثير على الحياة وما يحيط بنا يجعلنا أفضل سواء على الناحية الصحية أو الشعورية أو حتى على بناء الشخصية. وفي بحث رائع نُشر أمس -وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال- وجد الباحثان في مجال علم الأعصاب المعرفي روبرت تشافيز وتود هيثرتون أن التقييم الإيجابي لأهمية الذات واحترام الذات يكمنان في ذات المنطقة في الدماغ، فكلاهما في المسار الجبهي للدماغ والذي يربط قشرة الفص الجبهي الإنسي بالمخطط البطني، أي هما وجهان لعملة واحدة، وكلما كان تقدير الذات أفضل كلما تحسن أداء هذا المسار عصبياً، والمهم هنا أن قوة هذا المسار تُحسن مستويات السيروتونين "هرمون السعادة"، والذي هو حتماً يؤثر على المزاج العام ويقلل القلق، بل ويمنع خطر الإصابة بعدة أنواع من الاضطرابات العاطفية والنفسية كالاكتئاب وانعدام الشهية أو فرط تناول الطعام. وكتبا في البحث أن الأشخاص الذي يكون لديهم هدف نبيل يتعلق بالتأثير في الحياة والناس من حولهم يرتفع لديهم الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين وهي ناقلات عصبية تتحكم في الحالة المزاجية والحركة والتحفيز والتي يسمونها عادة "ثلاثية السعادة"، أي كلما كنت نبيلاً في تأثيرك فيمن حولك زادت سعادتك وتقديرك للذات. للتبسيط... ولكي أخرجك من دهاليز الدماغ هذه أقول إن احترام الذات من خلال الشعور بأهميتها يمنحها صلابة نفسية وثقة في النفس وسعادة تقيك من التكدر العاطفي والنفسي. وختاماً... هناك لَبسٌ يجب التنويه عليه، يخلط الكثير من الناس بين احترام الذات وتقديرها وأشياء أخرى لا علاقة لها بالاحترام أساساً، فمثلاً يظن البعض أن الاحترام والتقدير للذات يعني أن الإنسان يجب أن يوفر لنفسه كل متع الحياة طولاً وعرضاً، فيأكل كل ما تشتهيه نفسه ويشتري ما يحب كتقدير للنفس، وهذا خطأ، بل إن من الحيوانية أن يجعل الإنسان نفسه مسخاً يطلق العنان لرغباته، فوحدها الحيوانات التي لا تراعي سوى شهواتها وما تستلذ به، بينما الإنسان من المفترض أن يكون لديه قيم ومبادئ وتضحيات، وإلا فما فرقه عن الحيوان؟!! وكما ذكرت سابقاً ليس هناك أي ربط من قريب ولا بعيد بين الغرور وبين تقدير الذات، فالأفضلية تعني المزيد من المسؤولية اتجاه الحياة ومن فيها، بينما النظرة الفوقية على الآخرين مجرد نرجسية مرضية لا أكثر. لذا تبقى القاعدة الذهبية في أفضلية الذات والشعور بأهميتها حديث رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال فيه: "خير الناس أنفعهم للناس". أنت خير الناس ما دمت مؤثراً وهماً في منفعة الناس، وأنت مجرد مسخ لا أهمية لوجودك ما دمت منغمساً في ملذاتك.
بواسطة 288e1451-5677-4d83-8385-71f24185e9e0 ٢٤ مايو ٢٠٢٤
ليست الطيور على أشكالها تقع دوماً، ستوقعك الحياة على طيورٍ لست تَعرِفها وأشكالٍ لا تـتقبلها، وترى نفسك رغم ذلك مجبوراً عليها... وها أنا رأيتني أخوض في حوار مع جارتني في الطائرة، امرأة بريطانية، رغم أنني لست ذلك الشخص الذي يهوى الانغماس في حوارات مع الغرباء، لكن ما أحبه شيء وما ستفرضه الحياة شيء آخر. بينما أنا غارق في تركيزي أقرأ كتاباً سألتني: "لماذا على غلافه صور للدماغ؟"، أجبتها: "لأنه يشرح طريقة تفكير الإنسان ولماذا يتعصب لأفكاره"، وليتني لم أقل ذلك.... شرعت تُحدثني عن جاراتها المتحيزات لأفكارهن، وبدأت تبث شكواها منهن وكأنه مكتوب على جبهتي "تفضل واشتك إليه الحياة". حاولت بلطف أن أنهي الحوار، ونصحتها بالنسخة الإنجليزية من الكتاب، ففيه كيفية التعامل معهن... إلا أنها واصلت الثرثرة واستمرت في النميمة، تـتحدث وتحاول أن تضع تفاصيلاً تظنها مثيرة للمستمع، بينما قلبي متملل تكاد تسمع شتائمه من خلف أضلاعه لولا باقية أدب حياء. وبعد أن مَـنَّ الله عليَّ بسكوتها... تسلل إلى ذهني سؤال "لماذا يثرثر الناس عن الناس ويمارسون النميمة؟!"، وهذا ما أود أن أحدثك عنه سيدي القارئ. في بادئ الأمر عليك أن تعرف أن النميمة تصرف بشري اجتماعي متأصل فينا. لو سألت أي إنسان عن النميمة (الحش)، فهو غالباً ما سيذمها ويعتبرها فعل سيء، لكن الجميع تقريباً يفعل ذلك، ففي دراسة للدكتورة آنا ماريوت Anna Marriott لاحظت ودرست فيها السلوك البشري، وجدت أن البشر يميلون بشدة للنميمة، فوفقاً للدراسة كان الذكور يقضون -في المتوسط- 55% من وقت حديثهم في النميمة، بينما النساء 67% -في المتوسط-. وفي بحث مميزة للدكتورة الرائعة Xiaozhe Peng نُشر عام 2015م، درست فيه من خلال أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ (FMRI) أدمغة المتطوعين أثناء خوضهم في النميمة سواء بأصدقائهم أو بالمشاهير أو بالناس عموماً، وقد أظهرت الأشعة نشاطاً أكبر في قشرة الفص الجبهي من أدمغتهم، وهي ذات المنطقة التي تمنحنا القدرة على ممارسة السلوكيات الاجتماعية المعقدة والاندماج مع المجموعة. أي أن الدماغ يرى النميمة فعل يُقربك ممن حولك ويدمجك مع المجتمع، وعلقت الدكتورة Xiaozhe على هذه النقطة قائلة "إن النميمة مرتبطة برغبتنا في أن ينظر الآخرون إلينا بشكل جيد ويتقبلوننا فنتأقلم اجتماعياً، بصرف النظر عما إذا كان هذا سيتحقق فعلاً ويعكس ما نشعر به أو ينقلب السحر على الساحر وينظروا لنا بسوء". ولو استرجعت ذاكرتك سيدي القارئ في آخر حواراتك الشيّقة مع أصدقائك، لا شك أنك ستـتذكر أن من أمتع أجزاء حديثكم هو ذلك الجزء الذي تحدثتم فيه عن الآخرين... أليس كذلك يا حمامة السلام؟ 😁 والصدمة ليس فيما فات من البحث... مهلاً، كشفت أشعة الدماغ أن النواة المتكئة وبقية نظام المكافأة في الدماغ ينشط ويستجاب للنميمة -وبالأخص التي نتحدث فيها حول المشاهير-، بل كان نظام المكافأة في الدماغ ينشط أثناء النميمة أكثر مما ينشط في حال الاستماع لحديث الناس عنك بالخير. وإن كنت لا تعرف نظام المكافأة هذا... فهو ذات النظام الذي ينشط عند ممارستك الجنس أو أكلك لطعام لذيذ بعد جوع أو كسبك مبلغ من المال، وهنا الصدمة... هكذا يستلذ دماغك بالنميمة. ولكن صبراً... حتى وإن كانت النميمة متأصلة فينا فهذا لا يعني من قريب أو بعيد أنها تدل على الاستقرار النفسي أو أنها شيء طبيعي. أثبتت العديد من البحوث أن الأشخاص الذي يقضون جزءاً من محادثاتهم اليومية في النميمة -وبالأخص السلبية منها- يعانون بالفعل من تدني احترام الذات.... فليس هناك أتعس من أن يشغل المرء وقته ببؤس الآخرين. في دراسة لدكتورة علم النفس جيني كولي Jenny Cole طلبت من 140 مشاركاً كتابة وصف إيجابي أو سلبي حول شخصية عامة عرضتها عليهم، ثم قامت باختبارٍ وجلسةٍ نفسية لقياس مدى احترامهم لذواتهم، ورأت أن الأشخاص الذي كتبوا وصفاً سلبياً كانوا يعانون من احتقار للذات. وفي ذات الدراسة طلبت من 112 آخرين أن يكتبوا وصفاً عن شخص ما يعرفونه تماماً، ثم اختبرتهم نفسياً أيضاً، ورأت الدكتورة جيني أن الأشخاص الذي كتبوا نميمةً سلبية في أقاربهم أو أصدقائهم المقربون يعانون بشدة ملحوظة من تدني احترام الذات.... وهذا لا يدع مجالاً للشك بأن الخوض في النميمة مرتبط تماماً بتدني احترامنا لأنفسنا. أضف لذلك أن خوضك في النميمة -التي ستلتذ بها- قد يكون أحياناً محاولة لهروبك من نقاشات جدية عليك طرحها لحل مشاكلك العالقة. في دراسة لجامعة Northwestern University درس القائمون عليها أكثر من 100 من الأزواج، وخلصت الدراسة أن الأزواج الذين يميلون للتحدث عن الأزواج الآخرين وكيف يديرون حياتهم غالباً ما تكون حياتهم الزوجية سيئة تـتخلـلها العديد من الخلافات، وتكون هذه الحوارات طريقة لتجنب حوارات ستنتهي بالعصبية والقيل والقال والفشل في معالجة مشاكلهم الفعلية واختلاف وجهات نظرهم. وكما تقول السياسية الأمريكية البارزة إليانور روزفلت: "العقول العظيمة تُناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تتحدث عن الأحداث، والحمقى يتكلمون عن الأشخاص". ولكن ليس التحدث عن الآخرين سيء بشكل مطلق، فأحياناً تنبيه المجتمع من سوء أحدهم هو إصلاح وخير للمجتمع، كتوعية الناس من عمليات نصب مالي يقوم بها أحدهم مثلاً. بل قد تكون النميمة في أحدهم وسيلة لتوعيته ومحاولة لهدايته بعد أن يتم اقصاءه مجتمعياً ويرى كراهية الناس له نظراً لسلوكه المشين، ففي دراسة للبروفيسور ماثيو فاينبرغ Matthew Feinberg أحضر مجموعة من المشاركين للمختبر للقيام بلعبة ما، وتم تقسيم المشاركين لمجموعات، وفي اللعبة كان لدى كل واحد من أعضاء المجموعة مبلغ من المال، وإما يحتفظ به لنفسه أو يتبرع بجزء منه أو كله لصندوق المجموعة، التي إن خسرت اللعبة سيتبخر المال، وإن كسبت اللعبة سيتضاعـف المبلغ ثم يتم تقسيمه مرة أخرى بالتساوي على أعضاء المجموعة، ويستطيع كل فرد من المجموعة معرفة المبلغ الذي تبرع به الآخرون، ويستطيعون في كل مرة يلعبون بها القيام بتصويت وطرد فرد من المجموعة. كانت النميمة التي يقوم بها أفراد المجموعة قبل كل لعبة مفيدة إذ أنها وضحت للآخرين من هو الأناني وبالتالي نبذوه وصوتوا لطرده، ثم زاد التعاون والتضحية فيما بينهم وبالتالي كسبوا المزيد من المال. أضف لذلك أن الأنانيون الذي تم طردهم والحاقهم بمجموعة أخرى تغير سلوكهم وأصبحوا أكثر تعاوناً وتضحية للمجموعة الجديدة. وأرجو ألا يستغل الإنسان النمام هذه الدراسة عذراً لنميمته ويخرج بهيئة المصلح، فالله جل علاه يطلع على شخصيته ونيته الحقيقية لا التي ينظر لها الناس. وفي الإسلام عشرات الأحاديث التي تقدح في النمام وتـتوعده بالعقاب، فعن الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال: "إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتُبعد عن الله وعن الناس". ويقول عليه السلام في موضع آخر: "محرمة الجنة على العيابين المشائين بالنميمة". لذا قبل أن يخوض أحدهم في حديث سلبي عن الآخرين عليه أن يسأل نفسه بإنصاف وصدق/ هل ستساعد هذه النميمة الآخرين حقاً وتوعيهم ونيتي فيها الخير؟ هل أقوم بهذا الحديث بدافع الحقد أو الحسد أو العداء أو تسلية المستمعين ببؤس الآخرين؟ هل لا أملك خياراً آخر سوى النميمة؟ وهل هي ضرورية الآن؟ كيف سأشعر لو شارك أحدهم هذه المعلومات والحوارات عني أنا؟ والأجوبة ستدعوك لإكمال الثرثرة من عدمها، فـفن عدم النميمة الدال على احترام الذات هو الذكاء في معرفة متى يجب أن تشارك هذا الحوار ومع من ولماذا؟ والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره. وليس هناك أروع من أن يترك الإنسان النميمة ويتحدث عن الأفكار.... مهلاً... كأني ابتدأت المقال بنميمة عن جارتي في الطائرة.... من الواضح أني لست حمامة سلام 😜، حسناً نيتي خيرة وأنتم لا تعلمون من هي. 😁
بقية المقالات
Share by: