مرحباً بك بـيـن حكاياتي
بروكسل عاصمة بلجيكا الساحرة المليئة بالحياة والفن.... لو كُتب لك أن تزورها وسألت عمنا قوقل عن أبرز معالمها السياحية سيدلك على هذه النافورة التي تراها في الصورة.
نعم إنها نافورة لطفل يتبول -أجلك الله- لست واهماً هي كما ترى... وإليك حكايته.
يروي أهل بروكسل أنه في أواخر القرن التاسع عشر اندلع حريق ضخم بين بيوتاتها الخشبية، وبدأ يلتهم البيت تلو الآخر تباعاً، والناس تركض فراراً حفاظاً على أرواحها.
لم يُبادر أي شخص ليُطفأ الحريق، وكانت الفكرة التي تسود الموقف "اهرب... حافظ على روحك".
وبين كل الفارين ركض طفل لم يتخطى عامه الخامس مبادراً كي يطفئ الحريق، وببراءة الأطفال لم يحمل معه أي ماء ليقلل لهيب النار، بل اكتفى بماء المثانة.
وقف على حافة الحريق وتبول على النار كي تنطفئ، كانت مبادرته المطرقة التي كسرت جمود الناس وفتت خوفهم، وجعلتهم يتخذون الخطوة تلو الخطوة لإطفاء الحريق عوض الفرار.
وتكريماً من أهالي بروكسل لشجاعة هذا الطفل صنعوا له هذا التمثال والذي أصبح اليوم شعاراً للمدينة.
وما أود الحديث عنه في هذه الأحرف اليسيرة -سيدي القارئ- هو المبادرة.... لماذا لا يُبادر الناس نحو حل مشاكلهم أو رفع جودة حياتهم؟
كما ترى الحياة ليست عالماً وردياً بل سلسلة من الصعود والهبوط... لحظات من السعادة والنجاح وأخرى من الحزن والفشل، ومع ذلك في بعض الأحيان تبدو الحياة رتيبة، ونشعر بالضجر من روتيننا المعتاد، وهذا الشعور يتولد بسبب الـملل ولأننا لم نتخذ أي خطوة لتحقيق أهداف أكبر والتي تعني حتماً مخاطر أكبر وبعض الإثارة، وهي كفيلة بكسر ذلك الجمود.
إلا أن أي مبادرة لتحقيق ذلك وحل المشاكل أو رفع جودة الحياة تبدو للوهلة الأولى مهمة ضخمة، وذلك لأسباب عدة، ولكي أكون خفيفاً عليك سأختار منهم اثنين فقط، والذي يمكن اختصارهما بمقولة ربيب الله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله: "أعدى عدوِّك نفسك التي بين جنبيك".
- التغيير الدرامي
سيدي القارئ اعذر قلة حيائي منك... لكني مضطر أن أقول لك أن الطبيعة البشرية حمقاء أحياناً، إذ تميل لتحقيق نتائج كبيرة في وقت قصير.
الحياة وللأسف ليست فيلماً درامياً يولد فيه البطل فقيراً بأول الفيلم لينتصر ويحقق ثورة ويتزوج حبيبته بعد ساعة ونصف من العرض.... الحياة صعبة، بل صعبة جداً وهذا لا يحدث فيها، ورغم ذلك تميل أنفسنا إليه.
فلو سألت صاحب الوزن الزائد عن خطته، سيقول لك أنه سيشترك بالنادي ويترك شرب الغازيات ويلتزم بنظام صحي يوصله لهدف خلال ثلاثة أشهر مثلاً. (ثلاثة أشهر مين يا روح أمك 😒!!)
لو تغاضيت عن هُرائه في التوقيت وسألته متى ستبدأ؟ سيقول لك بعد برهة حتى أرتب وقتي وأنظم أمري، وكأن الحياة ستهدأ عما قريب فعلاً!!
التسويف والتثاقل هنا أمر طبيعي فأنت عندما تحدد هدفاً كبيراً في وقت قصير تضع ضغطاً كبيراً عليك، ونفسك هذه (أم كرش😜) لم تعتد القتال بعد وليست مهيئة لمثل هذه الضغوط، ولو تحليت بالعزيمة وبدأت بأول خطوة سرعان ما ستتراجع عن البقية.
هذا قانون المشاعر... إنها فيزياء النفوس التي لا مفر منها، وطبق الآن هذا المثال على أي مشكلة قمت بتسويفها أو خطوة تأجلها من شأنها رفع جودة حياتك.
والقانون البديل الذي يُقربك نحو تحقيق الهدف هو "قفزة واحدة صعبة... لكن مائة خطوة صغيرة أمر قابل للتنفيذ".
وضع هدف كبير خطة تحتم على نفسها الفشل، فالصحيح تقسيم ذلك الهدف إلى عدة مطامح صغيرة يسهل القيام بها، فترنو إلى تحقيقها الواحدة تلو الأخرى، وهذا أولاً يُبقيك متحمساً، فالشعور بالنصر وقود لبقية الأحاسيس الجيدة ومؤازر لعزيمتك.
وثانياً يجعلك تُقيِّم الظروف بعد كل طموح ويمنح هدفك المرونة التي تحول بينك وبين الفشل واليأس والإصرار على أهداف غير واقعية.
وثالثاً التعثر والهبوط في الحياة أمر لا بُـدَّ منه، وكي لا تصدمك الحياة بعثراتها حاول أن تفكر وتتنبأ بمكان وتوقيت حدوثها، والخطوات الصغيرة لا تُرهق الدماغ، إذ يسهل عليك أن تحيط بكل جوانبها وبالتالي تنقذ نفسك من الفشل، وهذا يجعلك تثق بدماغك شيئاً ما، وبالتالي تحافظ مبادرتك نحو النجاح.
- الخوف / اليأس
انظر للطفل -والذي يخاف بطبيعة الحال أن يخسر لعبته- يرمي بها بعيداً أو يضعها في أحد زوايا البيت، فيجزع أو يصرخ ثم يسعى جاهداً لاستعادتها، ويكرر ذلك باستمرار.
أو ترى الطفل الذي يحب أمه ويخاف فقدانها يُتيه بنفسه عنها في الزحام أو السوق، أو يركض مبتعداً عنها، ليبصر عن عمد أين سيؤول به الأمر إن فقد أحب الخلق إليه.
وكما يقول عالم النفس سيغموند فرويد معقباً على هاذين التصرفين وغيرهم "إن طبيعة الإنسان تميل إلى تكرار تجاربه المؤلمة من حيث يدرك أو لا، بل إن الإنسان من حيث لا يشعر يخطط لتكرار الوقوع بمخاوفه".
وما يقوده لذلك هو حس فطري يدفعه لتجاوز الشعور بالهزيمة والخوف الذي حُظي بهما في تجربته الأولى وتجاربه السابقة التي فشل بها، فيبقى دماغه يستدرجه -دون أن يشعر- إلى إعادة التجارب المؤلمة المخيفة لعله يتخطاها في المرة القادمة وينجح بها.
لكن الغباء هو تكرار نفس الخطوات ثم انتظار نتيجة مختلفة، وهذا ما يقوم به الدماغ حرفياً، فأنت تحاول أن تكسر خوفك من الفشل مراراً دون تعلم استراتيجية جديدة.
الخوف من الفشل واليأس بسبب عدم تجاوز المشاكل أو حلها شعور مؤلم تقودنا أدمغتنا -دون وعي منا- إلى تكرارهما، على أمل أن نتخطاهما في المرة القادمة، وهذا لن يحدث دون تعلم مهارات جديدة واستراتيجيات أخرى غير التي قمنا بها سابقاً، والخطوات الصغيرة هي حتماً أفضل استراتيجية لذلك.
ونصيحتي إليك.... اكتشف قصتك.
حلل مخاوفك وآلامك ومشاعرك الثقيلة... ما أسبابها ومن أي تنبع؟ أهو خوف من الفشل أم محاولة التغلب على إحباط الناس لك؟ أم يأس بسبب العجز؟ أم تجنب لوم الناس على التعثر أو نقدهم إياك ؟ أو أو أو.....
تأمل نفسك واعترف بنقاط ضعفك بكل بسالة.... فالاعتراف بالخوفِ والضعفِ شجاعةٌ ونجاح.
نعم دائماً ما ستبدو المبادرة لحل المشاكل ورفع جودة الحياة مهمة شاقة كإطفاء حريق ضخم ببولة -أجلك الله-، لكن خلق دافع صحيح وتقسيم القفزة الكبيرة لخطوات صغيرة طريق لإطفاء حريق ضخم.
النجاح ورفع جودة الحياة لا تتطلب ضغطاً نفسياً مهولاً فأدمغتنا غير مهيئة لذلك، بل تحتاج عقلاً واعياً يتعلم مهارات جديدة للنجاح واستراتيجيات واقعية تتناسب مع طبيعتنا البشرية.
كل خطوة صغيرة ستصنع فيك شخصية مقاتلة، تقودك لتحمل مسؤولية نجاحك عوضاً عن التبرير التسويف، لتبادر في تحسين حياتك وحل مشاكلها.
أرجوك بادر بأي خطوة.
سيدي القارئ... يروي أهل بروكسل العديد من القصص حول الطفل الذي تبول "مانكين بيس"، إلا إني اخترت التي فيها Suspense والتي تتوافق مع أريد ايصاله لك.
عاوزين ناكل عيش ونكتب مقالات يا بيه 😜 .
Created with GoDaddy Arabic Website Builder