Blog Layout

"لقد غيرتني رحلاتي"

قبل أن أروي لك حكاية اليوم هبني أن أسألك

هل طعامك المفضل اليوم هو ذاته طعامك المفضل قبل عشر سنوات؟

هل صديقك المقرب اليوم هو ذاته صديقك المقرب قبل عشر سنوات؟

هل ما تؤمن به من مبادئ اليوم تُشبه تماماً ما كنت تعتقد به قبل عشر سنوات؟

تذكر أجوبتك.... وإليك الحكاية.

في عام 1923م وكعادته كان الروائي الشهير فرانس كافكا يسير في إحدى حدائق برلين عائداً إلى المنزل، إلا أنه هذه المرة رأى فتاة صغيرة في الحديقة تجهش بالبكاء، فلم يمتلك قلبه الرقيق إلا أن هرع إلى مساعدتها.

الطفلة كانت قد أضاعت للتو دميتها في الحديقة، ولتهدئتها ساعدها كافكا أولاً بالبحث عنها في أرجاء الحديقة، لكنه لم يجدها... ولعل طفلة أخرى قد وجدتها وأخذتها، ولكنه كان أعطف من أن يواجهها بالحقيقة.

فابتكر كافكا كذبة لمواساتها، وأخبرها أنها يجب ألا تقلق فلعل الدمية ذهبت في رحلة ما، ولا شك أنها سترسل لها رسالة تُخبرها عن حالها، وقال لها أنه ساعي بريد وسيتكفل بإحضار الرسالة، لذا واعد الطفلة في اليوم التالي في نفس التوقيت والمكان كي يُسلمها رسالةً من الدمية.

كافكا الكاتب المبدع بدأ بكتابة الرسائل على لسان الدمية، وعلى موعده في اليوم التالي سَـلَّـم رسالةً إلى الفتاة مكتوب فيها: "من فضلك لا تحزني علي، لقد ذهبت في رحلة لرؤية العالم، سأكتب لك عن مغامراتي".

ولمدة ثلاثة أسابيع كان كافكا يكتب رسائل الدمية يومياً ويسلمها إلى الطفلة أثناء عودته إلى المنزل مروراً بالحديقة، واصفاً فيها مغامراتها وما تمر به من مواقف، فكانت الطفلة تستمتع بقراءتها بشغف لمعرفة ما في العالم من مغامرات.

بعد ذلك اشترى كافكا دمية جديدة وأهداها إلى الطفلة على أنها دميتها المسافرة، نظرت لها الفتاة مستغربة... "هذه لا تشبه دميتي"، فأهداها كافكا رسالة مكتوب فيها "لقد غيرتني رحلاتي".

احتضنت الطفلةُ الدميةَ وعادت بها إلى المنزل مسرورة.... وتوفي كافكا بعد ذلك الموقف بسنة تقريباً بعمر يناهز الـ40 عاماً.

كبرت الطفلة... وبعد سنوات من ذلك الموقف وعندما كانت تُقلب دمية الطفولة المسافرة اكتشفت أن هناك رسالة محشوة في شق بسيط في جسد الدمية لم تُلاحظه من قبل، وكان كافكا قد كتب فيها "كل ما تحبه ستخسره في النهاية، ولكن سيعود الحب بشكل مختلف في آخر المطاف".

سيدي القارئ... إلى أي مدى غيرتك رحلاتك في الحياة؟ هل ما زلت تشبه نفسك التي كانت قبل عشر سنوات؟

أظنها قد غيرت بعضاً منك ولم تعد ذلك الشخص...

ما أود أتحدث به معك اليوم سيدي القارئ هو أننا في كل مرحلة عمرية من حياتنا نتخذ قرارات تؤثر على حاضر الشخص الذي سنكون عليه في المستقبل، ويحدث أحياناً أننا نندم على بعض قراراتنا التي اتخذناها سابقاً ونتحمل تبعاتها، كأن تقضي نسخة أحدهم الثلاثينية بعض أيامها في المحاكم للطلاق من زيجة قررتها نسخته العشرينية، أو كبالغ يدفع أموالاً لإزالة وَشمٍ وضعته نسخته أيام المراهقة... وهلم جراً.

ولكن مهلاً.... لماذا؟! أ لم يكن لدينا عقل حينها؟! أ لسنا ذات الشخص مع اختلاف الأعمار؟

الإجابة بكل بساطة أننا كدمية كافكا... لقد غيرتنا رحلات الحياة على مر الأيام، وليس كل ما كان يُناسبك بالأمس قد ينفعك لغدٍ، ولعل شيئاً مما كنت مقتنعاً به البارحة سترفضه اليوم.

إن الحياة تقوم بتغييرنا باستمرار دون أن نُلاحظ، لذلك غالباً ما نكون غير قادرين على التنبؤ بمدى التغير الذي سيطرأ على سمات شخصياتنا في المستقبل، فنقرر لها ما ستعيشه في الغد وفق سماتنا اليوم... وهنا تكمن المشكلة، فنندم على بعض فعلاتنا القديمة لأن ما أصبحنا عليه اليوم لا يتفق بالرأي كلياً مع ما كنا عليه في الماضي.

وللتوضيح أكثر... إليك هذه الدراسة.

نشر علماء النفس -دانيال جلبرت، تيموثي ويلسون، جوردي كويدباخ- دراسة بعنوان "وهم نهاية التاريخ"، أجروها على 7 آلاف شخص تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 68 عام.

طلبوا من نصف المشتركين في الدراسة أن يُسجلوا نظرتهم الحالية لطباعهم الشخصية، وقيمهم التي يؤمنون بها، والأشياء التي يفضلوها، وكيف كانت هذه الأشياء قبل عشر سنوات.

وطلبوا من النصف الآخر أن يسجلوا أيضاً نظرتهم الحالية لطباعهم الشخصية، وقيمهم التي يؤمنون بها، والأشياء التي يفضلوها، ولكن طُـلب منهم أن يتوقعوا ما سيبدون عليه بعد عشر سنوات من الآن.

بناء على إجابة كل المشتركين في الدراسة حسب الباحثون الثلاثة نسبة ومستوى التغير لكل فئة عمرية خلال عشر سنوات، فقارنوا من هم في 18 من العمر مع من هم في الـ28، والـ28 مع الـ38 .... وهلم جراً.

لاحظ الباحثون أن المشتركون الأصغر سناً يتغيرون أكثر على هذه الأصعدة الثلاثة، أما بعد الخامسة والخمسين فالتغير يصبح أبطأ فأبطأ لكنه لا يتوقف.

بَـيـدَ أنَّ النقطة الأهم في الدراسة هي إن جميع المشتركين الذين طُلب منهم أن يتوقعوا ما سيبدون عليه في المستقبل، كانوا يتوقعون تغيراً طفيفاً جداً في طباعهم وقيمهم وما يفضلونه، بينما الواقع -مقارنة بنسبة من سجلوا تغيرهم في السنوات العشر السابقة- أن الحياة تُغير الناس أكثر مما يظنون.

إننا كبشر نعتقد متوهمين أننا قد وصلنا إلى نهاية تاريخنا في النضج، فننظر لأنفسنا على أنها الآن بأفضل نسخة منا ولن تتغير كثيراً في المستقبل على ما نحن عليه الآن.

انظر إلى هذا...

الخط العلوي -في الصورة أعلاه- يُمثل التغير الذي حدث بالفعل -مع مرور الأيام- لقيمنا وما نؤمن به، والخط الذي تحته يُمثل التغير المتوقع، ولاحظ الفرق الشاسع سيدي القارئ بين ما نتوقع تغيره وبين التغير الذي حدث لنا بالواقع على مستوى المبادئ والقيم.

وهنا أيضاً ستلاحظ الفرق بين ما حدث من تغير بالفعل على طباعنا الشخصية، وبين ما نتوقع حدوثه، وهنالك فرق أيضاً.

وهنا التغير الذي حدث على تفضيلاتنا اليوم -ما نُفضله سواء من موسيقى أو أصدقاء أو طعام أو أو..-، وبين ما نتوقع تغيره في المستقبل وهناك فرق كبير بينهما.

الكثير ممن في العشرينات من العمر توقعوا أن أطعمتهم المفضلة اليوم ستكون ذاتها بعد عشر سنوات من الآن، لكن من كانوا في الثلاثينات أكدوا أن هناك تغير حدث بالفعل على ذائقتهم، وما يفضلونه اليوم مختلف شيئاً ما عما كان قبل عشر سنوات.

إن عدم إدراك حجم التغير الذي سيطرأ علينا يجعل بعضاً من قراراتنا المستقبلية غير حكيمة ومن الوارد جداً أن نندم عليها.

في دراسة أخرى سُئل العديد من الناس من متوسطي الدخل عن المبلغ الذي من الممكن أن ينفقوه لشراء هدية بعد عشر سنوات من الآن لعيد ميلاد صديقهم المفضل في الوقت الحالي، فكان متوسط الجواب هو 150 دولار، بينما سألوهم عن المبلغ الذي قد يبذلونه لشراء هدية عيد ميلاد لصديقهم الذي كان مفضلاً لديهم قبل عشرة سنوات فكان الجواب 70 دولار فقط!!

المنطق يقول إن الأمر واحد ويجب أن يكون هناك تقارب بين المبلغين وليس الضعف!!، فمن الوارد جداً أن يكون صديقك المفضل شخص آخر بعد عشر سنوات من الآن، لكن نحن البشر -وبالأخص من هم في منتصف العشرينات وما بعدها- نعتقد أننا وصلنا لمرحلة من النضج لن تتغير معها شخصياتنا وتفضيلاتنا كثيراً، وهذا ما سيجعلنا نندم لاحقاً... لأن رحلات الحياة ستغيرنا دون أدنى شك.

وفي دراسة شهيرة بعنوان "مواليد لوثيان" تم دراسة ما يقرب من ثلاثة آلاف مولود في مدينة لوثيان الإسكوتلندية ولدوا بين عام 1921 وعام 1947، وتم تتبع هؤلاء المواليد على مدار حياتهم ومعرفة الكثير من تفاصيلهم ووظائفهم وتعليمهم وما إلى ذلك.

القائمين على الدراسة أجروا مجموعة من الاختبارات على هؤلاء المواليد في مراحل مختلفة من حياتهم، كاختبارات الشخصية والذكاء غيرها.

لاحظ الباحثون أن هناك تغير ملحوظ في شخصياتهم ومبادئهم وتفضيلاتهم بمختلف مراحلهم العمرية، بل حتى مستوى الضمير لديهم أصبح أعلى، وتحملوا المسؤولية أكثر من ذي قبل مع تقدمهم بالعمر.

يقول رينيه موتوس Rene Mottus أحد أهم الباحثين القائمين على دراسة مواليد لوثيان حالياً: "يعتقد الكثير من الناس أنهم سيصبحون أكثر لطفاً وتعاوناً وتنظيماً وطاعة مع تقدمهم بالعمر، وهذا صحيح، فإن مثل هذه التغيرات هي الأكثر شيوعاً بين العينات التي تم دراستها.

والناس تصبح أكثر تقبلاً وضميراً واستقراراً عاطفياً مع مرور الوقت، وصحيح أن هناك تغيرات تصبح بالاتجاهات المعاكسة لدى البعض، لكن يبقى التطور الإيجابي هو الأكثر شيوعاً."

أحياناً نحاول بجد التفكير في المستقبل والاستثمار فيه، فنتخذ قرارات مستقبلية معتمدين بذلك على اختياراتنا وتفضيلاتنا الحالية في مواقف تحتاج منا بُعد نظر، كالزواج والعمل وشراء المنزل وما إلى ذلك من أشياء، وحتماً إدراك أننا سنتغير مستقبلاً يجعل القرار أكثر حكمة.

في بريطانيا أُقيمت دراسة على المتزوجين حديثاً، ممن كانت تربطهم علاقة حُب قبل الزواج، وسألوهم فور زواجهم عن احتمال طلاقهم في المستقبل، فأجابوا جميعاً بأنهم حتماً لن يتفرقوا مستقبلاً وسيستمر زواجهم، رغم أن نسبة الطلاق في بريطانيا 40%، أي أن بين كل خمسة أزواج تنتهي علاقة اثنان منهم بالطلاق.

الأزواج في الدراسة السابقة رجحوا احتمالية الاستمرار وفقاً لمنظورهم وتفضيلاتهم اليوم... وهذا ما سيجعل اثنان من كل خمسة منهم يندمون لاحقاً.... نعم من تختاره اليوم قد يكون شريكاً مثالياً لك هذه الفترة، لكن رحلات الحياة ستُغيرنا، وهذا ما لم يكن في حسبانك.

كذلك العمل والمنزل وغيرها من قرارات مستقبلية، يجب أن تدرك دائماً أنك ستصبح كدمية كافكا.. شخصاً آخراً، وهذا سيزيد من منطقية وصواب قراراتك المستقبلية... ولكن قد لا يفلح ذلك دوماً وقد تندم عليها بشدة.

إذن ما الحل؟ كيف أتخذ قرارات مستقبلية دون أن أتجرع ألم الندم؟

أولاً يجب أن تتقبل أيها الإنسان أنك مهما اجتهدت في محاولة التنبؤ بالمستقبل واتخاذ القرار الأفضل لن يفلح ذلك دائماً، الأمر كما يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} وهذا نظراً لمحدودية قدراتنا التفكيرية.

ولكن مهلاً.. هناك حل... ماذا لو اتخذت قرارتك وفقاً لقواعد ثابتة لا تتغير على مر الزمان؟

إن اتخاذ قرارات مبنية على أُسس راسخة كالدين أو الأخلاق الحسنة أو العلم -والتي لا تتغير إلا للأفضل على مر السنين- يجعل قراراتك مرضية ولن تندم عليها... أو بأسوأ حال ستكون أقل ندماً مما لو اتخذتها على تفضيلات شخصية.

فتلك الأسس ستكون سلوى لك وتخفيفاً عليك، بل غالباً ستشعر بالرضا عليها، فالشهيد الذي اتخذ قراراً بالموت في سبيل الله وقرر إنهاء مستقبله تماماً لن يتذمر بل سيكون مسروراً.

كذلك جيفارا الثائر الشجاع الذي نادى بمبادئ العدل والمساواة والحياة الكريمة للإنسان، كان يشعر بالرضا التام على ما اتخذه من قرارات حتى آخر لحظات حياته وقتله في سبيل ذلك.

وقراراتك المستقبلية الاقتصادية أو المادية لو اتخذتها على علم ودراية أو دراسة جدوى مثلاً، ثم فشلت بسبب ظروف الحياة، ستحزن بالتأكيد.... ولكن ستعشر بشيء من الرضا بداخلك لأنك تعلم أنك قمت بكل شيء ممكن لإنجاحها... فعلت ما بوسعك، وستكون درساً مفيداً للقرارات التي ستليها.

وهلم جراً على أمثلة مثل هذه...

قراراتنا التي نبنيها على تفضيلاتنا وسماتنا الشخصية اليوم، هي أكثر قرارات نندم عليها بألم وحرقة مستقبلاً، بينما القرارات ذات الأسس الراسخة تكون أفضل حالاً وأوفر حظاً بالنجاح، وبحالة الفشل -لا قَدَّر الله- تكون أخف على مشاعرنا وألطف على قلوبنا... ورغم ذلك سيبقى الألم جزءاً أصيلاً من هذه الحياة مهما حاولنا تجنبه، ولكن وكما يقول المثل المصري "قضا أخف من قضا".

سيدي القارئ أرجو أن تكون كلماتي اليسيرة هذه أكدت لك أن التغير هو الشيء الوحيد الثابت في الحياة، وأن رحلات الحياة ستغيرك دون أدنى شك، وأرجو أن تعود بذاكرتك لقراراتك التي ندمت عليها بشدة وبألم، ستجدها قطعاً قرارات بُنيت على تفضيلات شخصية تغيرت مع مرور الأيام وليست على أسس راسخة... لعل ذاكرتك في هذا تكون درساً لك في قرارات المستقبل.

وكما قال كافكا في رسالته الأخيرة "كل ما تحبه ستخسره في النهاية، ولكن سيعود الحب بشكل مختلف في آخر المطاف"، وأقول تعقيباً عليه: ما بُني على أساس حسن سيعود لك نفعه وخيره في نهاية المطاف، وإن لم يكن في هذه الدنيا سيكون بعدها.. لكنه حتماً سيعود يوماً... وإن أخفق في فترة ما.

دِمت بود... وأتمنى لك مستقبلاً جميلاً يليق بلطف قلبك.

بواسطة 288e1451-5677-4d83-8385-71f24185e9e0 ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤
كم مره خنت فيها شعورك وأبديت إعجابك بأشياء لا تستحسنها؟ في عام 1897م اندلعت حرب بين الدولة العثمانية واليونان وكانت محط اهتمام الطبقة السياسية والنخب العليا، أما عوام الناس فكان "كُـلّا يدعي في الهوى وصل ليلى" والكل يريد الحديث عن هذه الحرب الطاحنة والتظاهر بالاهتمام كي يوحي للآخرين امتيازه الثقافي. إبان الحرب زارت بعض النسوة من الطبقة المخملية بيت الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف، والذي كان برفقة زميله الكاتب مكسيم غوركي، وسألنه عن رأيه حول هذه الحرب، فجلس يتأملهن... يرى وجوهاً بلهاء لا تعي المآسي التي تُخلفها الحروب، يتظاهرن بالاهتمام، فأجابهم بكل هدوء أن السلام هي النتيجة المرجحة لهذا الصراع. لم تكن تلك الإجابة التي يردن سماعها، فضغطن عليه كي يخبرهم أي الطرفين مرشح للفوز، فأجابهم بكل بساطة والابتسامة تملأ وجهه: "أعتقد أن الأقوى هو من سيفوز"، فزاد ضغطهن عليه ليُخبرهم من هو الطرف الأقوى، فقال "لا أشك أن الطرف الذي يحصل على تغذية أفضل وتعليم أفضل هو الأقوى". فسألنه بإلحاح "أي من طرفي الحرب تفضله شخصياً عن الآخر؟"، فقال بوجه مشرق: "سيداتي أنا أُفضل مربى البرتقال... هي تفضيلي الشخصي، هل تفضلونها أنتن" اندفعن بكل حماس للحوار عن المربى ونكهاتهن المفضلة، موضحات معرفتهن الواسعة بطرق تحضيرها، فكشفن اهتمامهن الحقيقي بالطعام بدلاً من التظاهر السابق بالانخراط في الخطاب السياسي، أما هو فكان يشاركهن الحوار بكل أريحية وسعادة. وما إن انتهين من جلستهن واستعدوا للمغادرة وَعَـدنَ تشيخوف بإرسال هبات سخية من مربى البرتقال، وشكرنه على حسن حواره ولطافة خطابه، فقد سُعدن حقاً بذلك، وبعد أن غادرن أثنى زميله غوركي على حواره معهن، فضحك تشيخوف وقال: "ما كان عليهن التظاهر... من الأفضل لكل إنسان أن يتحدث لغته الخاصة". فهل تتفق مع تشيخوف... أن على كل إنسان ترك التظاهر وأن يكون مخلصاً لما في داخله؟ لا شك أنك في وقت ما حاولت كبت مشاعرك وعدم إظهارها للآخرين، أو لعلك -وأرجو أن أكون مخطئاً- أبديت مشاعر زائفة لا تترجم ما في قلبك، ولو عدت في ذاكرتك واسترجعت سبب قيامك بذلك، فمن المرجح أن يكون السبب هو احترام مشاعر الآخرين، أو الحصول على مشاعر إيجابية منهم كالثقة أو المودة أو التعاطف. وأود بكل سعادة أن أزف لك البشرى... محاولتك لم تجدي نفعاً، لا تحاول تكرارها أرجوك، فمهما حاولت التمثيل والتظاهر بغير ما تشعر به فمن المرجح أنك ستحصل على نتيجة عكسية. أولاً إن تظاهرت سيُكشف أمرك.... إن أدمغتنا نحن البشر تمتلك قدرة جيدة على التفريق بين المشاعر الزائفة والحقيقية، فحتى الأطفال الرضع قادرين على ذلك بشكل رائع، ففي دراسة نفسية نُشرت عام 2015 في مجلة The Official Journal of the International Society on Infant Studies أظهر باحثو علم النفس من جامعة كونكورديا أن الرضع في وقت مبكر من العمر -18 شهراً- يمكنهم اكتشاف ما إذا كانت مشاعر الشخص حقيقية ومبررة أم لا. فكان الأطفال عندما يرون أحد أقاربهم تنكسر إحدى أدواته ثم يتظاهر بالحزن كانوا لا يبدون أي تعاطف معه، بينما القريب الذي يتعرض لذات الموقف وتبدو عليه مشاعر حزن حقيقية كان الأطفال يتعاطفون معه ويحاولون ببراءتهم التخفيف عنه. هل تـتذكر آخر موقف حاول أحدهم التظاهر أمامك بمشاعر زائفة، وكنت تعلم في قرارة نفسك أن مشاعره غير صادقة، هل تتذكر كيف كان الأمر واضحاً لك بينما يظن هو أن تمثيله جيد؟ حسناً الأمر ينطبق عليك كذلك، لست ممثلاً بارعاً.
بواسطة 288e1451-5677-4d83-8385-71f24185e9e0 ١٢ يوليو ٢٠٢٤
ماذا لو اختفيت اليوم من الحياة... هل سيتأثر المحيطون بك؟ هل سينقص الحياة شيء؟ بعد يومٍ مرهق من العمل كانت جالساً في غرفتي شارد الذهن، فسمعت صوت أمي تسأل من في المنزل عني "هل ما زال هاشم موجود أم خرج؟"، فتسللت إلى ذهني حينها مقولة الفيلسوف رينيه ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، لذا أردت الخروج من غرفتي لأخبر أمي ممازحاً أنني كنت هنا أفكر فإذاً أنا موجود. لكن أمي شتت أفكاري ودمرت ما تبقى سليماً من عصبونات دماغي ولم تذر لي أي باقية من صلابتي النفسية، إذ سمعتها تقول لمن سألتهم "هاشم موجود فهذا نعاله عند باب الغرفة.... هاشم تعال وارمي أكياس الزبالة". آه يا سيدي القارئ... لا أخفيك السر... لقد كانت صعقة نفسية، إذ كان دليل وجودي نعال.... وحاجتها مني أكياس القمامة لا أكثر. لست مفكراً... ولكن السؤال الذي سهر معي تلك الليلة هو " إلى أي مدى أنا مهم ومطلوب ومُلاحظ ومؤثر في هذه الحياة؟!" وأظنه سؤال يراود الكثير من الناس أحياناً، وليس سؤالاً فلسفياً أو ترفاً فكرياً، بل إن لجوابه أثر نفسي ينعكس علينا وعلى صحتنا ومشاعرنا... وهذا ما أود الحديث عنه في كلماتي اليسيرة هذه. نحن كبشر لن نقول لمن سألنا "كيف حالك؟" - أشعر اليوم بالأهمية شكراً لك.، ولكن هذا الشعور قد يجعلك تشعر بخير فعلاً. الاحساس بهذا الشعور لا يتطلب نيل جائزة نوبل للسلام، بل يكفي أن تكون مؤثراً بحياة الناس من حولك أو بمحيطك الذي تعيش فيه، وكلما كنت مطلوباً وملاحظاً ومؤثراً أكثر كلما زاد اعتقادك بأهمية وجودك. وعندما تكون بمنظورك ذا أثر وأهمية سترى ذاتك بنوع من التقدير والاحترام، مما ينعكس على شعورك بالإيجاب، وهذه النظرة للذات لا تـتعلق بالغرور وتفضيل النفس على الآخرين، بل تعني استثمار نقاط قوتك وأحاسيسك لأجل الحياة ومن فيها. إن حب ترك بصمة على الحياة فطرة نولد عليها وتخالج أنفسنا إلى حين الممات، وهذا ما أكده أستاذ الفلسفة وعلم النفس كارل جروس Karl Gross عندما كتب نظرية قَـيّـمة حول لعب الأطفال، قال فيها: إن الأطفال الصغار يشعرون بسعادة كبيرة عندما يعتقدون أنهم مؤثرين في العالم من حولهم، فالطفل مثلاً عندما يمسك دمية ويضغطها لتخرج صوتاً يضحك كثيراً، ليس لأن الصوت مضحك بل لأنه شعر بتأثيره في الواقع، ويكرر العملية ليعيد نشوة متعة الإنجاز وأهمية وجوده، والطفل الذي يُحرم من اللعب أو يلعب مراراً ويفشل بالتأثير على الواقع يشعر بانزعاج الكبير، بل لربما يتقوقع على نفسه ويتشوه نفسياً فيكون ضعيف الشخصية مستقبلاً غير مهيأ للإنجاز. وهناك بحث أجراه الدكتور إلين لانجر من جامعة هارفارد على مجموعتين من كبار السن نزلاء دار رعاية المسنين، أعطوهم جميعاً بعض النباتات التي ستزين غرف جلوسهم ونومهم وممرات الدار، وأخبر الدكتور إلين المجموعة الأولى أنهم المسؤولون عن إبقاء النباتات على قيد الحياة والعناية بها ورعايتها لتضفي المزيد من الجمال والمنظر الصحي للدار، بينما أخبر المجموعة الثانية أن النباتات لهم ولكن موظفو الدار هم من سيعتنون بها. بعد 18 شهر من الاهتمام بالنباتات والتأثير بالمنظر الصحي لدار الرعاية كان ضعف عدد نزلاء المجموعة الأولى على قيد الحياة مقارنة بالمجموعة الثانية. أي أن الشعور بالتأثير على الحياة وما يحيط بنا يجعلنا أفضل سواء على الناحية الصحية أو الشعورية أو حتى على بناء الشخصية. وفي بحث رائع نُشر أمس -وهو ما دفعني لكتابة هذا المقال- وجد الباحثان في مجال علم الأعصاب المعرفي روبرت تشافيز وتود هيثرتون أن التقييم الإيجابي لأهمية الذات واحترام الذات يكمنان في ذات المنطقة في الدماغ، فكلاهما في المسار الجبهي للدماغ والذي يربط قشرة الفص الجبهي الإنسي بالمخطط البطني، أي هما وجهان لعملة واحدة، وكلما كان تقدير الذات أفضل كلما تحسن أداء هذا المسار عصبياً، والمهم هنا أن قوة هذا المسار تُحسن مستويات السيروتونين "هرمون السعادة"، والذي هو حتماً يؤثر على المزاج العام ويقلل القلق، بل ويمنع خطر الإصابة بعدة أنواع من الاضطرابات العاطفية والنفسية كالاكتئاب وانعدام الشهية أو فرط تناول الطعام. وكتبا في البحث أن الأشخاص الذي يكون لديهم هدف نبيل يتعلق بالتأثير في الحياة والناس من حولهم يرتفع لديهم الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين وهي ناقلات عصبية تتحكم في الحالة المزاجية والحركة والتحفيز والتي يسمونها عادة "ثلاثية السعادة"، أي كلما كنت نبيلاً في تأثيرك فيمن حولك زادت سعادتك وتقديرك للذات. للتبسيط... ولكي أخرجك من دهاليز الدماغ هذه أقول إن احترام الذات من خلال الشعور بأهميتها يمنحها صلابة نفسية وثقة في النفس وسعادة تقيك من التكدر العاطفي والنفسي. وختاماً... هناك لَبسٌ يجب التنويه عليه، يخلط الكثير من الناس بين احترام الذات وتقديرها وأشياء أخرى لا علاقة لها بالاحترام أساساً، فمثلاً يظن البعض أن الاحترام والتقدير للذات يعني أن الإنسان يجب أن يوفر لنفسه كل متع الحياة طولاً وعرضاً، فيأكل كل ما تشتهيه نفسه ويشتري ما يحب كتقدير للنفس، وهذا خطأ، بل إن من الحيوانية أن يجعل الإنسان نفسه مسخاً يطلق العنان لرغباته، فوحدها الحيوانات التي لا تراعي سوى شهواتها وما تستلذ به، بينما الإنسان من المفترض أن يكون لديه قيم ومبادئ وتضحيات، وإلا فما فرقه عن الحيوان؟!! وكما ذكرت سابقاً ليس هناك أي ربط من قريب ولا بعيد بين الغرور وبين تقدير الذات، فالأفضلية تعني المزيد من المسؤولية اتجاه الحياة ومن فيها، بينما النظرة الفوقية على الآخرين مجرد نرجسية مرضية لا أكثر. لذا تبقى القاعدة الذهبية في أفضلية الذات والشعور بأهميتها حديث رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال فيه: "خير الناس أنفعهم للناس". أنت خير الناس ما دمت مؤثراً وهماً في منفعة الناس، وأنت مجرد مسخ لا أهمية لوجودك ما دمت منغمساً في ملذاتك.
بواسطة 288e1451-5677-4d83-8385-71f24185e9e0 ٢٤ مايو ٢٠٢٤
ليست الطيور على أشكالها تقع دوماً، ستوقعك الحياة على طيورٍ لست تَعرِفها وأشكالٍ لا تـتقبلها، وترى نفسك رغم ذلك مجبوراً عليها... وها أنا رأيتني أخوض في حوار مع جارتني في الطائرة، امرأة بريطانية، رغم أنني لست ذلك الشخص الذي يهوى الانغماس في حوارات مع الغرباء، لكن ما أحبه شيء وما ستفرضه الحياة شيء آخر. بينما أنا غارق في تركيزي أقرأ كتاباً سألتني: "لماذا على غلافه صور للدماغ؟"، أجبتها: "لأنه يشرح طريقة تفكير الإنسان ولماذا يتعصب لأفكاره"، وليتني لم أقل ذلك.... شرعت تُحدثني عن جاراتها المتحيزات لأفكارهن، وبدأت تبث شكواها منهن وكأنه مكتوب على جبهتي "تفضل واشتك إليه الحياة". حاولت بلطف أن أنهي الحوار، ونصحتها بالنسخة الإنجليزية من الكتاب، ففيه كيفية التعامل معهن... إلا أنها واصلت الثرثرة واستمرت في النميمة، تـتحدث وتحاول أن تضع تفاصيلاً تظنها مثيرة للمستمع، بينما قلبي متملل تكاد تسمع شتائمه من خلف أضلاعه لولا باقية أدب حياء. وبعد أن مَـنَّ الله عليَّ بسكوتها... تسلل إلى ذهني سؤال "لماذا يثرثر الناس عن الناس ويمارسون النميمة؟!"، وهذا ما أود أن أحدثك عنه سيدي القارئ. في بادئ الأمر عليك أن تعرف أن النميمة تصرف بشري اجتماعي متأصل فينا. لو سألت أي إنسان عن النميمة (الحش)، فهو غالباً ما سيذمها ويعتبرها فعل سيء، لكن الجميع تقريباً يفعل ذلك، ففي دراسة للدكتورة آنا ماريوت Anna Marriott لاحظت ودرست فيها السلوك البشري، وجدت أن البشر يميلون بشدة للنميمة، فوفقاً للدراسة كان الذكور يقضون -في المتوسط- 55% من وقت حديثهم في النميمة، بينما النساء 67% -في المتوسط-. وفي بحث مميزة للدكتورة الرائعة Xiaozhe Peng نُشر عام 2015م، درست فيه من خلال أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ (FMRI) أدمغة المتطوعين أثناء خوضهم في النميمة سواء بأصدقائهم أو بالمشاهير أو بالناس عموماً، وقد أظهرت الأشعة نشاطاً أكبر في قشرة الفص الجبهي من أدمغتهم، وهي ذات المنطقة التي تمنحنا القدرة على ممارسة السلوكيات الاجتماعية المعقدة والاندماج مع المجموعة. أي أن الدماغ يرى النميمة فعل يُقربك ممن حولك ويدمجك مع المجتمع، وعلقت الدكتورة Xiaozhe على هذه النقطة قائلة "إن النميمة مرتبطة برغبتنا في أن ينظر الآخرون إلينا بشكل جيد ويتقبلوننا فنتأقلم اجتماعياً، بصرف النظر عما إذا كان هذا سيتحقق فعلاً ويعكس ما نشعر به أو ينقلب السحر على الساحر وينظروا لنا بسوء". ولو استرجعت ذاكرتك سيدي القارئ في آخر حواراتك الشيّقة مع أصدقائك، لا شك أنك ستـتذكر أن من أمتع أجزاء حديثكم هو ذلك الجزء الذي تحدثتم فيه عن الآخرين... أليس كذلك يا حمامة السلام؟ 😁 والصدمة ليس فيما فات من البحث... مهلاً، كشفت أشعة الدماغ أن النواة المتكئة وبقية نظام المكافأة في الدماغ ينشط ويستجاب للنميمة -وبالأخص التي نتحدث فيها حول المشاهير-، بل كان نظام المكافأة في الدماغ ينشط أثناء النميمة أكثر مما ينشط في حال الاستماع لحديث الناس عنك بالخير. وإن كنت لا تعرف نظام المكافأة هذا... فهو ذات النظام الذي ينشط عند ممارستك الجنس أو أكلك لطعام لذيذ بعد جوع أو كسبك مبلغ من المال، وهنا الصدمة... هكذا يستلذ دماغك بالنميمة. ولكن صبراً... حتى وإن كانت النميمة متأصلة فينا فهذا لا يعني من قريب أو بعيد أنها تدل على الاستقرار النفسي أو أنها شيء طبيعي. أثبتت العديد من البحوث أن الأشخاص الذي يقضون جزءاً من محادثاتهم اليومية في النميمة -وبالأخص السلبية منها- يعانون بالفعل من تدني احترام الذات.... فليس هناك أتعس من أن يشغل المرء وقته ببؤس الآخرين. في دراسة لدكتورة علم النفس جيني كولي Jenny Cole طلبت من 140 مشاركاً كتابة وصف إيجابي أو سلبي حول شخصية عامة عرضتها عليهم، ثم قامت باختبارٍ وجلسةٍ نفسية لقياس مدى احترامهم لذواتهم، ورأت أن الأشخاص الذي كتبوا وصفاً سلبياً كانوا يعانون من احتقار للذات. وفي ذات الدراسة طلبت من 112 آخرين أن يكتبوا وصفاً عن شخص ما يعرفونه تماماً، ثم اختبرتهم نفسياً أيضاً، ورأت الدكتورة جيني أن الأشخاص الذي كتبوا نميمةً سلبية في أقاربهم أو أصدقائهم المقربون يعانون بشدة ملحوظة من تدني احترام الذات.... وهذا لا يدع مجالاً للشك بأن الخوض في النميمة مرتبط تماماً بتدني احترامنا لأنفسنا. أضف لذلك أن خوضك في النميمة -التي ستلتذ بها- قد يكون أحياناً محاولة لهروبك من نقاشات جدية عليك طرحها لحل مشاكلك العالقة. في دراسة لجامعة Northwestern University درس القائمون عليها أكثر من 100 من الأزواج، وخلصت الدراسة أن الأزواج الذين يميلون للتحدث عن الأزواج الآخرين وكيف يديرون حياتهم غالباً ما تكون حياتهم الزوجية سيئة تـتخلـلها العديد من الخلافات، وتكون هذه الحوارات طريقة لتجنب حوارات ستنتهي بالعصبية والقيل والقال والفشل في معالجة مشاكلهم الفعلية واختلاف وجهات نظرهم. وكما تقول السياسية الأمريكية البارزة إليانور روزفلت: "العقول العظيمة تُناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تتحدث عن الأحداث، والحمقى يتكلمون عن الأشخاص". ولكن ليس التحدث عن الآخرين سيء بشكل مطلق، فأحياناً تنبيه المجتمع من سوء أحدهم هو إصلاح وخير للمجتمع، كتوعية الناس من عمليات نصب مالي يقوم بها أحدهم مثلاً. بل قد تكون النميمة في أحدهم وسيلة لتوعيته ومحاولة لهدايته بعد أن يتم اقصاءه مجتمعياً ويرى كراهية الناس له نظراً لسلوكه المشين، ففي دراسة للبروفيسور ماثيو فاينبرغ Matthew Feinberg أحضر مجموعة من المشاركين للمختبر للقيام بلعبة ما، وتم تقسيم المشاركين لمجموعات، وفي اللعبة كان لدى كل واحد من أعضاء المجموعة مبلغ من المال، وإما يحتفظ به لنفسه أو يتبرع بجزء منه أو كله لصندوق المجموعة، التي إن خسرت اللعبة سيتبخر المال، وإن كسبت اللعبة سيتضاعـف المبلغ ثم يتم تقسيمه مرة أخرى بالتساوي على أعضاء المجموعة، ويستطيع كل فرد من المجموعة معرفة المبلغ الذي تبرع به الآخرون، ويستطيعون في كل مرة يلعبون بها القيام بتصويت وطرد فرد من المجموعة. كانت النميمة التي يقوم بها أفراد المجموعة قبل كل لعبة مفيدة إذ أنها وضحت للآخرين من هو الأناني وبالتالي نبذوه وصوتوا لطرده، ثم زاد التعاون والتضحية فيما بينهم وبالتالي كسبوا المزيد من المال. أضف لذلك أن الأنانيون الذي تم طردهم والحاقهم بمجموعة أخرى تغير سلوكهم وأصبحوا أكثر تعاوناً وتضحية للمجموعة الجديدة. وأرجو ألا يستغل الإنسان النمام هذه الدراسة عذراً لنميمته ويخرج بهيئة المصلح، فالله جل علاه يطلع على شخصيته ونيته الحقيقية لا التي ينظر لها الناس. وفي الإسلام عشرات الأحاديث التي تقدح في النمام وتـتوعده بالعقاب، فعن الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال: "إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتُبعد عن الله وعن الناس". ويقول عليه السلام في موضع آخر: "محرمة الجنة على العيابين المشائين بالنميمة". لذا قبل أن يخوض أحدهم في حديث سلبي عن الآخرين عليه أن يسأل نفسه بإنصاف وصدق/ هل ستساعد هذه النميمة الآخرين حقاً وتوعيهم ونيتي فيها الخير؟ هل أقوم بهذا الحديث بدافع الحقد أو الحسد أو العداء أو تسلية المستمعين ببؤس الآخرين؟ هل لا أملك خياراً آخر سوى النميمة؟ وهل هي ضرورية الآن؟ كيف سأشعر لو شارك أحدهم هذه المعلومات والحوارات عني أنا؟ والأجوبة ستدعوك لإكمال الثرثرة من عدمها، فـفن عدم النميمة الدال على احترام الذات هو الذكاء في معرفة متى يجب أن تشارك هذا الحوار ومع من ولماذا؟ والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره. وليس هناك أروع من أن يترك الإنسان النميمة ويتحدث عن الأفكار.... مهلاً... كأني ابتدأت المقال بنميمة عن جارتي في الطائرة.... من الواضح أني لست حمامة سلام 😜، حسناً نيتي خيرة وأنتم لا تعلمون من هي. 😁
بقية المقالات
Share by: