سيدتي القارئة ... لماذا بعض النساء يُنكدن على أزواجهن حياتهم بتعمد؟ (البعض يا حمامة السلام 😜)
لست مهتماً بأخبار الفن... بَـيدَ أنَّ العالم أجمع يتحدث عن الفنانَين "جوني ديب" و"آمبر هيرد" وكيف كانت تُنكد عليه حاته، فخطر إلى ذهني هذا السؤال، وقبل الخوض في جوابه إليكِ هذه الحكاية.
في عام 1620م في إيطاليا ولدت فتاة تُدعى "جوليا"، وكانت شديدة الذكاء، ولكن من سوء حظها أنها تَـيـتَّمت في 13 من عمرها عندما حكمت السلطات على أمها بالإعدام لأنها قتلت والد جوليا بالسم لسوء معاملته لهما.
في تلك العصور المظلمة من التاريخ لم يكن الطلاق خياراً سهلاً للنساء، فالمرأة المطلقة كانت أكثر الكائنات اشمئزازاً في المجتمع وأشدها تعرضاً للظلم، لذلك تُفضل النساء أن يُصبحن أرامل ويتمتعن بورث أزواجهن على أن يصبحن مطلقات، وهذا ما قاد والدة جوليا لقتل زوجها، إلا أن التشريح كشف فعلتها وبالتالي أُعدمت.
درست جوليا الكيمياء وعملت في معمل لصناعة الأدوية، وتزوجها أحد الصيادلة، ورُزقت منه بطفلة، إلا أن زوجها كان لا يمنحهم الكثير من وقته وينهمك في العمل، وكلما عاتبته على ذلك انفجر في وجهها غاضباً... فقررت إنهاء حياته. (عائلة ما عندها أزعل وأروح بيت أهلي... يا تتسنع يا نذبحك 😜)
جوليا شديدة الذكاء بارعة في دمج المواد الكيميائية، لذا صنعت سماً لا يمكن اكتشافه من خلال التشريح، يتم سقيه للضحية على مدار أيام، فيموت تدريجياً، وقد جرعته لزوجها وقتلته، دون أن يتم كشفها.
أخذت جوليا ورثها وقامت بإنشاء معمل لصناعة مستحضرات التجميل، وصالون للنساء، والذي أتاح لها التعرف على الكثير من النساء اللاتي يأتين لها طلباً للزينة.
وكما تعلمين سيدتي القارئة... الصالون متسع لبث الشكوى، وكان بعض النساء يشتكين من حياتهن الزوجية لجوليا، سواء من الإهمال أو سوء المعاملة أو التعنيف، وكانت تتعاطف معهن وتتمنى أن يحظين بالراحة التي تنعم بها في ترملها، وأبت شهامتها إلا أن تساعدهن على التخلص من أزواجهن تسميماً.
صنعت جوليا سمها، ووضعته في علب مستحضرات التجميل، لتضعه النساء في غرف نومهن دون أن يثير الريبة.
لم يكن سماً ذا مذاق أو رائحة، لذا يسهل على المرأة أن تضع منه كل يوم قطرة في الماء أو الطعام لزوجها، ومن خلال 6 قطرات على مدار أيام سيموت معذباً والسم يمزق أحشاءه، بينما كل ما يظهر عليه من الخارج هو أعراض برد وزكام، وبالتالي تتنفس هواء الحرية وتتنعم بالترمل، وتمثل دور الحزينة دون أن يتم كشفها.
وخلال 20 سنة من العمل كـ Makeup Artist استطاعت جوليا اقناع الكثير من النساء أن يصبحن أرامل، وساعدت من خلال سُمِّها على قتل أكثر من 600 رجل لم يكونوا أزواجاً مثاليين لزوجاتهن.
في إحدى المرات شكت امرأة لجوليا من زوجها وقسوته وجفافه معها، فأقنعتها جوليا بقتله، فاشترت السم ووضعت منه قطرة في حسائه، إلا أنها في اللحظة الأخيرة بكت وطلبت منه ترك الحساء لأنه مسمم... وبالتالي انكشف أمر جوليا وأُلقي القبض عليها.
واعترفت خلال محاكمتها أنها ساعدت على قتل المئات من الرجال الذين لم يُكَوِّنوا علاقة أسرية جميلة.
نعم سيدتي المجتمعات اليوم أكثر إنسانية مما عليه في السابق، والطلاق حل يسهل على المرأة اتخاذه، بل قد يكون راحة نفسية لها، ولكن لماذا اختارت بعض النساء سابقاً قتل أزواجهن ويخترن أخريات اليوم تنكيد حياة أزواجهن بإصرار كما فعلت "آمبر"؟
لا شَـكَّ سيدتي أنك سمعتي يوماً عن العقل الباطن، والذي هو -وبكل بساطة- تكوينات عصبية موجودة في الدماغ لها أثر بالغ على شخصية الإنسان وسلوكه وغريزته الجنسية وحالته النفسية وخبراته الحياتية، والتي غالباً ما تؤثر فيه دون وعي منه في ذلك.
وهذا العقل يتدخل أحياناً -دون طلب منك- ليجد حلاً وسطاً لمشاكلك النفسية التي تُعكر صفو حياتك، فمثلاً إذا تحطمت نفسك أمام الاكتئاب وعجزت عن تغيير الواقع، سيقرر عقلك الباطن أن يريك الواقع بطريقته، فيخلق فيك كماً من الحيل والأوهام والتفسيرات الغير واقعية، والتي تجنبك الانهيار النفسي وإنهاء الحياة.
هذا التكتيكات الغير منطقية التي يخلقها العقل تُسمى "الآليات الدفاعية"، وهي عمليات لا شعورية تُعيد لك اتزانك العاطفي وتُخفف عنك وطأة المشاكل المعقدة والمشاعر الثقيلة، لكنها في أغلب الأحيان لا تقوم بعلاجها، بل ربما تُؤثر عليها سلباً.
إحدى تلك الآليات تُسمى النزوح (Displacement)، ويقوم فيها الإنسان بتحويل مشاعره السلبية من مصدرها الحقيقي إلى متلقي آخر أقل تهديداً أو أضعف منه.
فعلى سبيل المثال... قد يقوم المدير في العمل بتوبيخ الموظف ولومه على أخطاء اقترفها، فيشعر الموظف بالغضب والإحباط، بَــيــدَ أَنَّــه لا يستطيع تنفيس تلك المشاعر على مديره، فذلك لن يكون أمراً غير حكيم فحسب، بل قد يُكـلفه وظيفته أيضاً، فيقمع مشاعره الجياشة في صدره.
وعندما يذهب إلى المطعم في المساء يطلق العنان لما كبحه في صدره، فتراه يبالغ في نقد عاملي المطعم على خطئهم في تلبية طلبه أو سوء المذاق، دون أن يعي أن ردة فعله هذه ترتبت على ما حدث في الصباح.
وما إن تهدأ ثورة غضبه يكون أمام خِيارين... إما أن يشعر بالذنب لما فعله تجاههم، أو يُكمل العقل الباطن تكتيكاته فيخلق أعذاراً واهية تُؤكد له صحة فعله وغضبه عليهم فتخفف عليه تأنيب الضمير، وسيختار الإنسان ما يختار على حسب شخصيته ومبادئه.
والحياة كما ترين سيدتي ليست دزني لاند، ولسنا هنا كي نلهو فقط، إنه معترك يتطلب منا الكثير من الجهد، وأحياناً تستنزف الحياة كل ما في جعبتنا من صلابة نفسية وتبتزنا في ما تبقى لدينا من الصبر، فيضطر دماغنا إلى النزوح، وربما يكون الزوج متنفساً له.
تخيلي معي هذا السيناريو...
تقومين في الصباح على صوت منبه الساعة، والذي يُخبرك أنه قد حان وقت اقتلاع جسدك من الفراش والذهاب إلى العمل، ومع الازدحام وأغبى سائقي السيارات تصلين أخيراً.
وبعد يوم ثقيل على النفس من العمل وتحمل المسؤولين والمراجعين تعودين في الظهيرة إلى المنزل، ليستقبلك الأطفال بالبكاء والشكوى، وبين ذي وذا يا سيدة الطبقة الكادحة عليك طبخ الغداء لهم ولزوجك.
وبعد الانهماك في الطبخ ترين الأطباق والملابس وزوايا البيت كُـلٌ يناديك "إليَّ نظفيني"، يقول لك زوجك بنبرة يشوبها عدم الرضا "الأكل يخلو من الملح".
بربك سيدتي أين الـمِلاس!!!؟ ثبتيه في أم رأسه دون تردد... إنه يستحق ذلك. 😜
تنطلق بعدها أرواح النكد لتملأ المنزل فتقولين بالإسبانية "مو عاجبك خل أمك تطبخ لك"، وهلم جراً بعبارات يحشوها النكد، ليتحول بعدها حوار المذاق إلى شجار تُذكِّريه فيه بكل عيوبه.
لم يكن مِلحاً على الإطلاق... كانت قلوباً مثقلة من ضغوط الحياة وجدت متنفساً فخرجت بهيئة عراك، ولم يكن سم النساء سخطاً على الزوج بل غضباً من مجتمع لا يسمح لها باختيار الطلاق فحولت غضبها إلى جريمة قتل.
هذا سيناريو من عشرات قد تحدث في الحياة... فغضبك من أم الزوج يُترجم إلى شجار معه، وسخطك من كثرة المسؤوليات رغم نعومة أظافرك يتحول إلى صراخ في وجهه، وامتعاضك من صديقتك الحسودة ينقلب إلى مزاج حاد برفقته... وعلى هذا قيسي ما سواه.
كلها أشياء ستخفف عنك ثقل المشاعر، لكنها على الصعيد الآخر تُدمر حياتك الزوجية، وللأسف وكما تشير الدراسات الإحصائية، فإن غالبية نزوح المتزوجين يحدث في إطار الأسرة... رجالاً ونساءً.
ولعل ضمير بعض النساء اللاتي ينكدن على أزواجهن يقول إنهم يستحقون المشاجرة وذلك النكد لما فعله في حينها، وهذه أعذار واهية، فليس هناك في العالم أي مبرر يدعوك لتخسري لطف أنوثتك أو جمال أخلاقك.
والدماغ يا سيدتي يقرر النكد ثم يضع المبررات المنطقية لما اختاره، بل قد يضع أعذاراً تبدو عقلانية للأشياء التي يظن أنه اختارها وهو لم يفعل في الواقع.... وإليك هذه التجربة.
في السويد وأثناء الانتخابات البرلمانية ينقسم الناس إلى مؤيدين للحزب اليساري أو الحزب اليميني ، ولكل من هاذين الحزبين أفكاره التي يدعو لها، وفي تلك المعمعة الانتخابية ذهب عالم النفس السويدي بيتر جوهونسون إلى الساحات العامة ليجري استطلاعاً للرأي .
وكان يُعطي الناس استبياناً يُعبروا فيه عن آرائهم بأفكار كل حزب، وبعد تـتمة الإجابات يقوم جوهونسون بخدعة وخفة يد ويغير بعض الإجابات إلى العكس تماماً دون أن ينتبه المشاركون للتغيير، ثم يناقشها معهم ليستوضح سبب اختيارهم لها.
انطلت الحيلة على 90% من المشاركين في الاستطلاع، أي عندما اختار البعض في الاستبيان أفكار الحزب اليميني، ثم سألوهم بعد التغيير لماذا اختاروا أفكار الحزب اليساري، برروا ذلك بأسباب منطقية رغم إنهم لم يختاروها أصلاً.
فمثلاً هناك سؤال في الاستبيان يقول: إن الحزب اليساري يُفضل توسيع دائرة الحكومة على مراقبة البريد الالكتروني والاتصالات، بينما اليميني يرفض هذه الفكرة، فإلى أي حزب تميل؟
أحد المشاركين اختار الحزب اليميني، وبعد الخدعة سألوه لماذا فضلت الحزب اليساري في المراقبة فقال: "حسناً من الصعب محاربة الجريمة، لذلك أعتقد أن المراقبة ضرورية، وإنني قرأت اليوم في الصحيفة أنهم يستطيعون التنصت على الهواتف التي في السجن، وهذا مفيد إذا حاول زعيم عصابة مواصلة الجريمة من الداخل، و رغم أن هذا الأمر فيه تضحية بالخصوصية إلا أن الأمر يستحق ذلك على المدى الطويل".
أ رأيتِ سيدتي؟ لم يكن اختياره أصلاً ولكن عندما أوهموه أنه كذلك حاول تبريره بكل منطقية.
كذلك النكد التي تقوم به بعض النساء، رغم كل الأسباب التي تبدو منطقية والتي قد يوهمنا العقل بها إلا إنها تبقى أسباباً واهية.
و"النزوح" ليس أمراً فطرياً نولد به، بل هو ما يتعلمه الدماغ مع مرور الأيام، فالطفل ذي الثلاثة سنين قد يصرخ على والديه لو شعر بالغضب منهم، بينما اليافع ذو 13 عام إن شعر بذلك سيُحوِّله إلى شجار مع شقيقه الأصغر أو زملاء المدرسة.
أي أن النزوح مهارة تعلمناها، وهذا يعني أنها أمر قابل للتوجيه، فمهارات العقل تُصقل بالتفكر.
على الإنسان أن يتفحص سلوكه دائماً ويُفكر بينه وبين نفسه بكل صدق إن كان ما يقوم به نزوحاً أم لا، فالأعذار التي نتذرع بها مجرد أوهام يطرحها العقل الباطن ليخفف عن صاحبها تأنيب ضمير مشاعر سلبية وضعها في غير موضعها، بينما من يريد إصلاح حياته وعيوبه حقاً لا بُـدَّ له من تهذيب نفسه وتبديد تبريراته.
فأرجوك سيدي القارئ وسيدتي المتفضلة بإكمالك للمقال قبل أن تنكدوا الحياة على نصفكم الآخر، تدبروا قليلاً في أفعالكم وحاولوا أن تُقوموها، فالأعذار لا تُبرر الوسيلة إطلاقاً... الأمر يحتاج مواجهة صادقة مع النفس.
وإن تكرار توبيخ النفس ومحاسبتها على نزوح مشاعرها السلبية يجعل الإنسان أكثر سيطرة على نفسه في قادم الأوقات، فتلك المرأة التي انفجرت بعد نقد مذاق طعامها، لو كانت تراقب سلوكها ونزوح مشاعرها كانت ستقول لزوجها أنها مرت بيوم ثقيل بدد كل طاقتها الذهنية وتركيزها، وأنها نست الملح لمعاناتها... وذلك حتماً أقرب لاستعطافه وتقديره لها.
أو لو انفجرت في وجهه ثم تفهمت خطأها واعتذرت منه وتأسفت سيكون أصلح لها في المستقبل.
وكُـلٌ من الرجال والنساء قادرين على تهذيب سلوكهم ووضع المشاعر السلبية في مواضعها لو راقبوا تصرفاتهم.
وأخيراً أقول إن بعض الزيجات وصلت إلى باب مؤصد ولا مفر لها من الطلاق، بَـيـدَ أن طرفيها يخافان من لوم المجتمع والاعتراف بالفشل وهي مشاعر ثقيلة، فيُحولان ذلك إلى سخط ينزاح ويتم تنفسيه على الطرف الآخر فتصبح الحياة جحيماً لا يُطاق.
إن فهم النزوح يجعل تلك الزيجات أقل ضراوة فيما بينها وبالتالي تختار إنهاء الحياة بسلام.
وبصراحة سيدتي أن جُد متأسف أني جعلت المقال موجه إلى النساء دون الرجال، لكني كنت قد قررت قبل أن تنطق المحكمة بحكمها على "آمبر" أن أجعل المقال موجه لجنس من يخسر في القضية، وعندما خسرت آمبر وجهته للنساء... فتقبلي اعتذاري.
وختاماً سادتي القُراء أتمنى لكم استقراراً نفسياً في علاقاتكم.