مرحباً بك بـيـن حكاياتي
عرض عليهم السيد سلومون 18 صورة ، وطلب منهم أن يقولوا الإجابة الصحيحة بصوت عالٍ ، على أن يكون الطالب الحقيقي آخر ناطق بالإجابة ، وفي أول صورتين اختار الممثلون الخط الصحيح ، وبعد ذلك يتعمد الممثلون أن يختاروا جميعاً إجابة خاطئة موحدة ، ليرى السيد سليمون إن كان الطالب الحقيقي سيتأثر بالأجوبة الخاطئة أم سيقول الجواب الصحيح الذي أمام عينيه .
أقام السيد سلومون هذه التجربة على 100 طالب ، وكانت النتيجة أن 75 طالباً اختاروا الإجابة الخاطئة ولو لمرة واحدة على الأقل من 18 صورة متأثرين بإجابات الممثلين .
و35 طالباً اختاروا أكثر من خمسة إجابات خاطئة متأثرين برأي البقية رغم سهولة الأجوبة الماثلة أمام أعينهم .
لقد كذبوا أعينهم ليقتنعوا برأي غيرهم !!! .
كان السيد سلومون يقابل الطلاب الحقيقيين بعد التجربة ليسألهم عن سبب اختيارهم للأجوبة الخاطئة ، وفي جميع الحالات كان الطلاب يبررون الخطأ بتأثرهم برأي المجموعة وافترضوا أن البقية يعرفون أكثر منهم !! .
إننا قد نغير رأينا مخالفين ما نراه أمام أعيننا ... فَلَكَ أن تتخيل مدى تأثرنا برأي غيرنا في الأفكار المعقدة .
( فيديو التجربة https://youtu.be/TYIh4MkcfJA )
ماذا عن تصرفنا ... هل سنتصرف بحماقة لا منطقية إن كان غيرنا يتصرف بها ؟
في تجربة أجراها أستاذ علم النفس جونا برجر Jonah Berger من جامعة بنسلفانيا في إحدى العيادات ، يجلس القائمين على التجربة في كراسي انتظار العيادة ، ممثلين دور المراجعين ، وعندما يدخل المراجع الحقيقي ويجلس معهم ، يتم تشغيل صوت صافرة بين الحين والآخر ، فيقف الممثلون عند سماعهم صوت الصافر .
ويكرروا هذا الفعل مراراً ، ورغم أن المراجع الحقيقي لم يطلب منه أحد القيام عند سماع صوت الصافرة ، إلا أنه يقوم بتقليدهم ويقف عند كل صافرة دون أن يفهم سبب قيامهم . ( يعني مع الخيل يا شقرا 😜 )
وعندما يخرج جميع المراجعين الممثلين من صالة الانتظار ... ويبقى المراجع الحقيقي لوحده فإنه غالباً ما يستمر بالوقوف عند سماع صوت الصافرة !!
بعد ذلك يدخل ممثل "مراجع" إلى العيادة ويجلس بجانب المراجع الحقيقي ، فإن رآه يقف عند كل صافرة يسأله لماذا تقف عند كل صافرة ؟! ، وكانت معظم الإجابات " لا أدري .. هكذا يفعلون هنا عند سماع صوت الصافرة !! " .
أجريت التجربة على 50 مراجع ... وجميعهم بلا استثناء قلدوا الآخرين ووقفوا لسماع صوت الصافرة ، رغم أنه لم يُطلب منهم ذلك .
( فيديو التجربة .. مضحك جداً - https://youtu.be/-7iN0V-GbM0 )
تصرف المراجعين لا منطقي ، فعلوا ذلك محاكاةً للآخرين دون فهم السبب !! .... هكذا نتأثر بغيرنا .
ويعلق السيد جونا على هذه التجربة قائلاً : إننا نتعلم في سن مبكرة أن نتبع خطى مجموعتنا ونشعر بالحاجة للانضمام إليها حماية لنا ، لأن هذا يجعلنا نبدو اجتماعيين ويعطينا شعوراً بالراحة .
هذه التجارب – وهناك الكثير غيرها – تبين لك الأثر البالغ للمجموعة على أفكارنا وتصرفاتنا ، وتشرح لك مثلاً لماذا يختار الناس المطعم أو المقهى الأكثر ازدحاماً ، لأنهم غالباً ما يعتبرون الزحام دليلاً على الأفضلية .
ومن ذلك فالسيد "سيملفيس" كان واعياً بما فيه الكفاية ليؤمن بعقله الفردي ويتحدى به رأي المجموعة والوسط الطبي ، محاولاً انقاذ الأرواح ومنع انتشار العدوى ... هو قدوة رائعة أجدر أن تُتبع .
وهناك أمر آخر أود الإشارة إليه أيضاً ....
نظراً لأن البشر يتأثرون بالغالبية المحيطة بهم يتم استغلال ذلك لأغراض تسويقية أو حتى سياسية وتضليلية .
فمثلاً في برامج التواصل الاجتماعي تخلق الأنظمة الحكومية المستبدة الحمقاء جيشاً وهمياً إلكترونياً - الذباب الإلكتروني - ليدافع بكثافة عن قناعات الحكومة وتوجهاتها كي توهم الناس بكثرة المناصرين لها والمؤيدين لرأيها محاولة التأثير على ميولهم ، فتصرف على ذلك ملايين الدولارات والدراهم 😇 ، ومثال ذلك ما تقوم به اليوم بعض الحكومات العربية بتزيين التطبيع مع الصهاينة في منصات التواصل الاجتماعي .
ويقول بروفيسور تاريخ العلوم روبرت بروكتر Robert Proctor : "لو أردت ترسيخ الجهل في الناس ، وتبديل رأيهم وعقلهم الجمعي حول أمر ما فعليك بثلاثة خطوات : احرم الناس من المعلومة الصحيحة وانشر المعلومات الخاطئة ، انشر الشك في المفاهيم القائمة ، حاول تأسيس مفاهيم جديدة ." ، وهو ما أسماه بعلم الجهل Agnotology .
ولو أردت نموذجاً على ترسيخ الجهل وتضليل الناس على نطاق واسع باستخدام "العقل الجمعي" ، فلك أن تنظر لما يقوم به الاتحاد الأوروبي اليوم من محاولة ترسيخ فكرة أن المثلية الجنسية والشذوذ أمر طبيعي جداً .
إذ عمدت وسائل الإعلام الغربية على ترسيخ فكرة أن الشذوذ خلل جيني ، ومشكلة عضوية لا يمكن حلها ، مع تجريم وازدراء كل من يناهض ذلك ، وهو ما خلق فعلاً توجهاً جمعياً بضرورة السماح للشواذ بممارسة حقهم في الزواج وما أشبه .
أما العلم والدراسات الأكاديمية غير المضللة لا تدعم ذلك بل تصفه بالهراء ، وكما تقول الكاتبة العلمية بريار وايتهيد Briar Whitehead في مقدمة كتابها الرائع "جيناتي جعلتني أفعله" : إن الغرب شن حملة من التضليل والخداع في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة جعلت مؤسساته العامة من المشرعين إلى القضاة ومن الكنائس إلى التخصصات الذهنية الصحية يؤمنون بشكل واسع أن المثلية الجنسية موروثة عضوياً وبالتالي لا يمكن تغييرها .
وتحلل بكتابها التضليل الحاصل ، وتأثيرهم على العقل الجمعي ، والنقض العلمي لادعاءاتهم .
لذا سيدي القارئ إن كنت تؤمن بفكرة ما فلا تنجرف خلف رأي المجموعة ، كُن كالطبيب "سيملفيس" الذي آمن بفكرته وتحدى الجميع رغم اتهامه بالجنون ، وكان البذرة الأولى لنظام الصحة الوقائية العالمي ، والذي ينقذ البشرية اليوم خاصة بأزمة الوباء التي نمر بها .
ولا تنخدع بكثرة المؤيدين لفكرة ما ... فالكثرة قد تغلب الشجاعة لكنها لا تجعل من الغباءِ ذكاءً ، يبقى الخطأ خطأً ولو آمنت به البشرية بأجمعها .
Created with GoDaddy Arabic Website Builder